مفاتيح الغيب، ج ٣٠، ص : ٧٠٨
[سورة المدثر (٧٤) : آية ٢٨]
لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ (٢٨)
واختلفوا فمنهم من قال : هما لفظان مترادفان معناهما واحد، والغرض من التكرير التأكيد والمبالغة كما يقال : صد عني وأعرض عني. ومنهم من قال : لا بد من الفرق، ثم ذكروا وجوها أحدها : أنها لا تبقي من الدم واللحم والعظم شيئا فإذا أعيدوا خلقا جديدا فلا تذر أن تعاود إحراقهم بأشد مما كانت، وهكذا أبدا، وهذا رواية عطاء عن ابن عباس وثانيها : لا تبقي من المستحقين للعذاب إلا عذبتهم، ثم لا تذر من أبدان أولئك المعذبين شيئا إلا أحرقته وثالثها : لا تبقي من أبدان المعذبين شيئا، ثم إن تلك النيران لا تذر من قوتها وشدتها شيئا إلا وتستعمل تلك القوة والشدة في تعذيبهم. ثم قال :
[سورة المدثر (٧٤) : آية ٢٩]
لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (٢٩)
وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : في اللواحة قولان : الأول : قال الليث : لاحه العطش ولوحه إذا غيره، فاللواحة هي المغيرة. قال الفراء : تسود البشرة بإحراقها والقول الثاني : وهو قول الحسن والأصم : أن معنى اللواحة أنها تلوح للبشر من مسيرة خمسمائة عام، وهو كقوله : وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى [النازعات : ٣٦] ولواحة على هذا القول : من لاح الشيء يلوح إذا لمع نحو البرق، وطعن القائلون بهذا الوجه في الوجه الأول، وقالوا : إنه لا يجوز أن يصفها بتسويد البشرة مع قوله إنها لا تبقي ولا تذر.
المسألة الثانية : قرئ : لَوَّاحَةٌ نصبا على الاختصاص للتهويل. ثم قال :
[سورة المدثر (٧٤) : آية ٣٠]
عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ (٣٠)
وفيه مسائل :
المسألة الأولى : المعنى أنه يلي أمر تلك النار، ويتسلط على أهلها تسعة عشر ملكا، وقيل : تسعة عشر صنفا، وقيل : تسعة عشر صفا. وحكى الواحدي عن المفسرين : أن خزنة النار تسعة عشر مالك، ومعه ثمانية عشر أعينهم كالبرق، وأنيابهم كالصياصي، وأشعارهم تمس أقدامهم، يخرج لهب النار من أفواههم، ما بين منكبي أحدهم مسيرة سنة، يسع كف أحدهم مثل ربيعة ومضر، نزعت منهم الرأفة والرحمة، يأخذ أحدهم سبعين ألفا في كفه ويرميهم حيث أراد من جهنم.
المسألة الثانية : ذكر أرباب المعاني في تقدير هذا العدد وجوها أحدها : وهو الوجه الذي تقوله أرباب الحكمة أن سبب فساد النفس الإنسانية في قوتها النظرية والعملية هو القوى الحيوانية والطبيعية.
أما القوى الحيوانية فهي : الخمسة الظاهرة، والخمسة الباطنة، والشهوة والغضب، ومجموعهما اثنتا عشرة.
وأما القوى الطبيعية فهي : الجاذبة والماسكة والهاضمة والدافعة والغاذية والنامية والمولدة، وهذه سبعة، فالمجموع تسعة عشر، فلما كان منشأ الآفات هو هذه التسعة عشر، لا جرم كان عدد الزبانية هكذا وثانيها : أن


الصفحة التالية
Icon