مفاتيح الغيب، ج ٣٠، ص : ٧٠٩
أبواب جهنم سبعة، فستة منها للكفار، وواحد للفساق، ثم إن الكفار يدخلون النار لأمور ثلاثة : ترك الاعتقاد وترك الإقرار وترك العمل، فيكون لكل باب من تلك الأبواب الستة ثلاثة والمجموع ثمانية عشر، وأما باب الفساق فليس هناك زبانية بسبب ترك الاعتقاد ولا بسبب ترك القول، بل ليس إلا بسبب ترك العمل، فلا يكون على بابهم إلا زبانية واحدة فالمجموع تسعة عشر وثالثها : أن الساعات أربعة وعشرون خمسة منها مشغولة بالصلوات الخمس فيبقى منها تسعة عشر مشغولة بغير العبادة، فلا جرم صار عدد الزبانية تسعة عشر.
المسألة الثالثة : قراءة أبي جعفر ويزيد وطلحة بن سليمان عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ على تقطيع فاعلان، قال ابن جني في المحتسب : والسبب أن الاسمين كاسم واحد، فكثرت الحركات، فأسكن أول الثاني للتخفيف، وجعل ذلك أمارة القوة اتصال أحد الاسمين بصاحبه، وقرأ أنس بن مالك تِسْعَةَ عَشَرَ قال أبو حاتم : هذه القراءة لا تعرف لها وجها، إلا أن يعني : تسعة أعشر جمع عشير مثل يمين وأيمن، وعلى هذا يكون المجموع تسعين.
[سورة المدثر (٧٤) : آية ٣١]
وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلاَّ مَلائِكَةً وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَما هِيَ إِلاَّ ذِكْرى لِلْبَشَرِ (٣١)
قوله تعالى : وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً روي أنه لما نزل قوله تعالى : عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ [المدثر : ٣٠] قال أبو جهل : لقريش ثكلتكم أمهاتكم، قال ابن أبي كبشة : إن خزنة النار تسعة عشر وأنتم الجمع / العظيم، أيعجز كل عشرة منكم أن يبطشوا برجل منهم! فقال أبو الأشد بن أسيد بن كلدة الجمحي وكان شديد البطش : أنا أكفيكم سبعة عشر واكفوني أنتم اثنين! فلما قال أبو الأشد بن أسيد ذلك، قال المسلمون ويحكم لا تقاس الملائكة بالحدادين! فجرى هذا مثلا في كل شيئين لا يسوى بينهما، والمعنى لا تقاس الملائكة بالسجانين والحداد، السجان الذي يحبس النار، فأنزل اللّه تعالى : وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً واعلم أنه تعالى إنما جعلهم ملائكة لوجوه أحدها : ليكونوا بخلاف جنس المعذبين، لأن الجنسية مظنة الرأفة والرحمة، ولذلك بعث الرسول المبعوث إلينا من جنسنا ليكون له رأفة ورحمة بنا وثانيها :
أنهم أبعد الخلق عن معصية اللّه تعالى وأقواهم على الطاعات الشاقة وثالثها : أن قوتهم أعظم من قوة الجن والإنس، فإن قيل : ثبت في الأخبار، أن الملائكة مخلوقون من النور، والمخلوق من النور كيف يطيق المكث في النار؟ قلنا : مدار القول في إثبات القيامة على كونه تعالى قادرا على كل الممكنات، فكما أنه لا استبعاد في أن يبقى الحي في مثل ذلك العذاب الشديد أبد الآباد ولا يموت، فكذا لا استبعاد في بقاء الملائكة هناك من غير ألم.
[في قوله تعالى وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إلى قوله ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا] ثم قال تعالى : وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا وفيه مسألتان :


الصفحة التالية
Icon