مفاتيح الغيب، ج ٣٠، ص : ٧١٢
الشبهة، فإذا اجتهد الإنسان فيه وحصل له اليقين فربما غفل عن / مقدمة من مقدمات ذلك الدليل الدقيق، فيعود الشك والشبهة، فإثبات اليقين في بعض الأحوال لا ينافي طريان الارتياب بعد ذلك، فالمقصود من إعادة هذا الكلام هو أنه حصل لهم يقين جازم، بحيث لا يحصل عقيبه ألبتة شك ولا ريب.
السؤال السادس : جمهور المفسرين قالوا في تفسير قوله : الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ إنهم الكافرون وذكر الحسين بن الفضل البجلي أن هذه السورة مكية ولم يكن بمكة نفاق، فالمرض في هذه الآية ليس بمعنى النفاق، والجواب : قول المفسرين حق وذلك لأنه كان في معلوم اللّه تعالى أن النفاق سيحدث فأخبر عما سيكون، وعلى هذا تصير هذه الآية معجزة، لأنه إخبار عن غيب سيقع، وقد وقع على وفق الخبر فيكون معجزا، ويجوز أيضا أن يراد بالمرض الشك لأن أهل مكة كان أكثرهم شاكين وبعضهم كانوا قاطعين بالكذب.
السؤال السابع : هب أن الاستيقان وانتفاء الارتياب يصح أن يكونا مقصودين من إنزال هذا المتشابه، فكيف صح أن يكون قول الكافرين والمنافقين مقصودا؟ الجواب : أما على أصلنا فلا إشكال لأنه تعالى يهدي من يشاء ويضل من يشاء، وسيأتي مريد تقرير لهذا في الآية الآتية، وأما عند المعتزلة فإن هذه الحالة لما وقعت أشبهت الغرض في كونه واقعا، فأدخل عليه حرف اللام وهو كقوله : وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ [الأعراف :
١٧٩].
السؤال الثامن : لم سموه مثلا؟ الجواب : أنه لما كان هذا العدد عددا عجيبا ظن القوم أنه ربما لم يكن مراد اللّه منه ما أشعر به ظاهره بل جعله مثلا لشيء آخر وتنبيها على مقصود آخر، لا جرم سموه مثلا.
السؤال التاسع : القوم كانوا ينكرون كون القرآن من عند اللّه، فكيف قالوا : ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا؟ الجواب : أما الذين في قلوبهم مرض، وهم المنافقون فكانوا في الظاهر معترفين بأن القرآن من عند اللّه فلا جرم قالوا ذلك باللسان، وأما الكفار فقالوه على سبيل التهكم أو على سبيل الاستدلال بأن القرآن لو كان من عند اللّه لما قال مثل هذا الكلام.
قوله تعالى : كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وجه الاستدلال بالآية للأصحاب ظاهر لأنه تعالى ذكر في أول الآية قوله : وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثم ذكر في آخر الآية : وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا ثم قال : كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ أما المعتزلة فقد ذكروا الوجوه المشهورة التي لهم أحدها : أن المراد من الإضلال منع الألطاف وثانيها : أنه لما اهتدى قوم باختيارهم عند نزول هذه الآيات وضل قوم باختيارهم عند نزولها أشبه ذلك أن المؤثر في ذلك الاهتداء وذلك الإضلال هو / هذه الآيات، وهو كقوله : فَزادَتْهُمْ إِيماناً [التوبة : ١٢٤] وكقوله : فَزادَتْهُمْ رِجْساً [التوبة : ١٢٥] وثالثها : أن المراد من قوله : يُضِلُّ ومن قوله : يَهْدِي حكم اللّه بكونه ضالا وبكونه مهتديا ورابعها : أنه تعالى يضلهم يوم القيامة عن دار الثواب، وهذه الكلمات مع أجوبتها تقدمت في سورة البقرة في قوله : يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً [البقرة : ٢٦].
قوله تعالى : وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ فيه وجوه : أحدها : وهو الأولى أن القوم استقبلوا ذلك


الصفحة التالية
Icon