مفاتيح الغيب، ج ٣٠، ص : ٧١٣
العدد، فقال تعالى : وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ فهب أن هؤلاء تسعة عشر إلا أن لكل واحد منهم من الأعوان والجنود مالا يعلم عددهم إلا اللّه وثانيها : وما يعلم جنود ربك لفرط كثرتها إلا هو، فلا يعز عليه تتميم الخزنة عشرين ولكن له في هذا العدد حكمة لا يعلمها الخلق وهو جل جلاله يعلمها وثالثها : أنه لا حاجة باللّه سبحانه في تعذيب الكفار والفساق إلى هؤلاء الخزنة، فإنه هو الذي يعذبهم في الحقيقة، وهو الذي يخلق الآلام فيهم، ولو أنه تعالى قلب شعرة في عين ابن آدم أو سلط الألم على عرق واحد من عروق بدنه لكفاه ذلك بلاء ومحنة، فلا يلزم من تقليل عدد الخزنة قلة العذاب، فجنود اللّه غير متناهية لأن مقدوراته غير متناهية.
قوله تعالى : وَما هِيَ إِلَّا ذِكْرى لِلْبَشَرِ الضمير في قوله : وَما هِيَ إلى ماذا يعود؟ فيه قولان : الأول :
أنه عائد إلى سقر، والمعنى وما سقر وصفتها إلا تذكرة للبشر والثاني : أنه عائد إلى هذه الآيات المشتملة على هذه المتشابهات، وهي ذكرى لجميع العالمين، وإن كان المنتفع بها ليس إلا أهل الإيمان.
[سورة المدثر (٧٤) : الآيات ٣٢ إلى ٣٣]
كَلاَّ وَالْقَمَرِ (٣٢) وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (٣٣)
ثم قال تعالى : كَلَّا وفيه وجوه أحدها : أنه إنكار بعد أن جعلها ذكرى، أن تكون لهم ذكرى لأنهم لا يتذكرون وثانيها : أنه ردع لمن ينكر أن يكون إحدى الكبر نذيرا وثالثها : أنه ردع لقول أبي جهل وأصحابه : إنهم يقدرون على مقاومة خزنة النار ورابعها : أنه ردع لهم عن الاستهزاء بالعدة المخصوصة.
ثم قال تعالى : وَالْقَمَرِ وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ وفيه قولان : الأول : قال الفراء والزجاج : دبر وأدبر بمعنى واحد كقبل وأقبل ويدل على هذا قراءة من قرأ إذا دبر، وروى أن مجاهدا سأل ابن عباس عن قوله : أَدْبَرَ فسكت حتى إذا أدبر الليل قال : يا مجاهد هذا حين دبر الليل،
وروى أبو الضحى أن ابن عباس كان يعيب هذه القراءة ويقول : إنما يدبر ظهر البعير، قال الواحدي : والقراءتان عند أهل اللغة سواء على ما ذكرنا، وأنشد أبو علي :
وأبى الذي ترك الملوك وجمعهم بصهاب هامدة كأمس الدابر
القول الثاني : قال أبو عبيدة وابن قتيبة : دبر أي جاء بعد النهار، يقال : دبرني أي جاء خلفي ودبر الليل أي جاء بعد النهار، قال قطرب : فعلى هذا معنى إذا دبر إذا أقبل بعد مضي النهار.
[سورة المدثر (٧٤) : آية ٣٤]
وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ (٣٤)
أي أضاء، وفي الحديث :«أسفروا بالفجر»
ومنه قوله : وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ [عبس : ٣٨] أي مضيئة.
ثم قال تعالى :
[سورة المدثر (٧٤) : آية ٣٥]
إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ (٣٥)
وفيه مسائل :
المسألة الأولى : هذا الكلام هو جواب القسم أو تعليل لكلام والقسم معترض للتوكيد.


الصفحة التالية
Icon