مفاتيح الغيب، ج ٣٠، ص : ٧٢٥
تكن، والدليل عليه أن الأجسام متماثلة، فيصح على كل واحد منها ما يصح على الآخر، واللّه قادر على كل الممكنات، فوجب أن يقدر على إزالة الضوء عن القمر في جميع الأحوال.
قوله تعالى : يَقُولُ الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ أي يقول هذا الإنسان المنكر للقيامة إذا / عاين هذه الأحوال أين المفر، والقراءة المشهورة بفتح الفاء، وقرئ أيضا بكسر الفاء، والمفر بفتح الفاء هو الفرار، قال الأخفش والزجاج : المصدر من فعل يفعل مفتوح العين. وهو قول جمهور أهل اللغة، والمعنى أين الفرار، وقول القائل : أين الفرار يحتمل معنيين أحدهما : أنه لا يرى علامات مكنة الفرار فيقول حينئذ : أين الفرار، كما إذا أيس من وجدان زيد يقول : أين زيد والثاني : أن يكون المعنى إلى أين الفرار، وأما المفر بكسر الفاء فهو الموضع، فزعم بعض أهل اللغة أن المفر بفتح الفاء كما يكون اسما للمصدر، فقد يكون أيضا اسما للموضع والمفر بكسر الفاء كما يكون اسما للموضع، فقد يكون مصدرا ونظيره المرجع.
[سورة القيامة (٧٥) : آية ١١]
كَلاَّ لا وَزَرَ (١١)
قوله تعالى : كَلَّا وهو ردع عن طلب المفر لا وَزَرَ قال المبرد والزجاج : أصل الوزر الجبل المنيع، ثم يقال : لكل ما التجأت إليه وتحصنت به وزر، وأنشد المبرد قول كعب بن مالك :
الناس آلت علينا فيك ليس لنا إلا السيوف وأطراف القنا وزر
ومعنى الآية أنه لا شيء يعتصم به من أمر اللّه.
ثم قال تعالى : ف إلى غير مستعمل في معنى الانتظار، ولأن الانتظار غم وألم، وهو لا يليق بأهل السعادة يوم القيامة، لأنا نقول : الجواب : عن الأول من وجهين الأول : النظر المقرون بحرف إلى قد يستعمل بمعنى الانتظار، والتوقع والدليل عليه أنه يقال : أنا إلى فلان ناظر ما يصنع بي، والمراد منه التوقع والرجاء، وقال الشاعر :
وإذا نظرت إليك من ملك والبحر دونك زدتني نعما
وتحقيق الكلام فيه أن قولهم في الانتظار نظرت بغير صلة، فإنما ذلك في الانتظار لمجيء الإنسان بنفسه، فأما إذا كان منتظرا لرفده ومعونته، فقد يقال فيه : نظرت إليه كقول الرجل، وإنما نظري إلى اللّه ثم إليك، وقد يقول ذلك من لا يبصر، ويقول الأعمى في مثل هذا المعنى : عيني شاخصة إليك، ثم إن سلمنا ذلك لكن لا نسلم أن المراد من (إلى) هاهنا حرف التعدي بل هو واحد الآلاء، والمعنى : وجوه يومئذ ناضرة نعمة ربها منتظرة.
وأما السؤال الثاني : وهو أن الانتظار غم وألم، فجوابه أن المنتظر إذا كان فيما ينتظره على يقين من الوصول إليه، فإنه يكون في أعظم اللذات.
التأويل الثاني : أن يضمر المضاف، والمعنى إلى ثواب ربها ناظرة، قالوا : وإنما صرنا إلى هذا التأويل، لأنه لما دلت الدلائل السمعية والعقلية على أنه تعالى تمتنع رؤيته وجب المصير إلى التأويل، ولقائل أن يقول :
فهذه الآية تدل أيضا على أن النظر ليس عبارة عن تقليب الحدقة، لأنه تعالى قال : لا ينظر إليهم وليس المراد أنه

(١) في المطبوعة التي ننقل منها (و لو قال لا يراهم كفر) وهو تحريف واضح.


الصفحة التالية
Icon