مفاتيح الغيب، ج ٣٠، ص : ٧٣٤
وتنبهوا على ما بين أيديكم من الموت الذي عنده تنقطع العاجلة عنكم، وتنتقلون إلى الآجلة التي تبقون فيها مخلدين، وقال آخرون : كَلَّا أي حقا إذا بلغت التراقي كان كذا وكذا، والمقصود أنه لما بين تعظيم أحوال الآخرة بين أن الدنيا لا بد فيها من الانتهاء والنفاد والوصول إلى تجرع مرارة الموت. وقال مقاتل : كَلَّا أي لا يؤمن الكافر بما ذكر من أمر القيامة، ولكنه لا يمكنه أن يدفع أنه لا بد من الموت، ومن تجرع آلامها، وتحمل آفاتها.
ثم إنه تعالى وصف تلك الحالة التي تفارق الروح فيها الجسد فقال : إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : المراد إذا بلغت النفس أو الروح أخبر عما لم يجر له ذكر لعلم المخاطب بذلك، كقوله :
[القدر : ١] والتراقي جمع ترقوه. وهي عظم وصل بين ثغرة النحر، والعاتق من الجانبين.
واعلم أنه يكنى ببلوغ النفس التراقي عن القرب من الموت، ومنه قول دريد بن الصمة :
ورب عظيمة دافعت عنها وقد بلغت نفوسهم التراقي
ونظيره قوله تعالى : فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ [الواقعة : ٨٣].
المسألة الثانية : قال بعض الطاعنين : إن النفس إنما تصل إلى التراقي بعد مفارقتها عن القلب ومتى فارقت النفس القلب حصل الموت لا محالة، والآية تدل على أن عند بلوغها التراقي، تبقى الحياة حتى يقال فيه : من راق، وحتى تلتف الساق بالساق والجواب : المراد من قوله : كَلَّا إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ أي إذا حصل القرب من تلك الحالة.
[سورة القيامة (٧٥) : آية ٢٧]
وَقِيلَ مَنْ راقٍ (٢٧)
وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : في راق وجهان الأول : أن يكون من الرقية يقال : رقاه يرقيه رقية إذا عوذه بما يشفيه، كما يقال : بسم اللّه أرقيك، وقائل هذا القول على هذا الوجه، هم الذين يكونون حول الإنسان المشرف على الموت، ثم هذا الاستفهام، يحتمل أن يكون بمعنى الطلب كأنهم طلبوا له طبيبا يشفيه، وراقيا يرقيه، ويحتمل أن يكون استفهاما بمعنى الإنكار، كما يقول القائل عند اليأس : من الذي يقدر أن يرقي هذا الإنسان المشرف على الموت الوجه الثاني : أن يكون قوله : مَنْ راقٍ
من رقى يرقي رقيا، ومنه قوله تعالى : وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ [الإسراء : ٩٣] وعلى هذا الوجه يكون قائل هذا القول هم الملائكة. قال ابن عباس : إن الملائكة يكرهون القرب من الكافر، فيقول ملك الموت من يرقى بهذا الكافر، وقال الكلبي : يحضر العبد عند الموت سبعة أملاك من ملائكة الرحمة، وسبعة من ملائكة العذاب مع ملك الموت، فإذا بلغت نفس العبد التراقي نظر بعضهم إلى بعض، أيهم يرقى بروحه إلى السماء فهو مَنْ راقٍ
المسألة الثانية : قال الواحدي إن إظهار النون عند حروف الفم لحسن، فلا يجوز إظهار نون من في قوله :
مَنْ راقٍ
وروى حفص عن عاصم إظهار النون في قوله : مَنْ راقٍ
و«١» بَلْ رانَ [المطففين : ١٤] قال

(١) صوابه أن يقال واللام في (بل ران).


الصفحة التالية
Icon