مفاتيح الغيب، ج ٣٠، ص : ٧٥٩
شامل لكل المعاصي، واعلم أن كل من عبد غير اللّه فقد اجتمع في حقه هذان الوصفان، لأنه لما عبد غيره، فقد عصاه وجحد إنعامه، إذا عرفت هذا فنقول في الآية قولان : الأول : أن المراد شخص معين، ثم منهم من قال :
الآثم، والكفور هو شخص واحد وهو أبو جهل، ومنهم من قال : الآثم هو الوليد والكفور هو عتبة، قال القفال : ويدل عليه أنه تعالى سمى الوليد أثيما في قوله : وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ إلى قوله : مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ [القلم : ١٠- ١٢] وروى صاحب الكشاف أن الآثم هو عتبة والكفور هو الوليد لأن عتبة كان ركابا للمآثم متعاطيا لأنواع الفسوق والوليد كان غاليا في الكفر، والقول الأول أولى لأنه متأيد بالقرآن،
يروى أن عتبة بن ربيعة قال للنبي صلى اللّه عليه وسلم : ارجع عن هذا الأمر حتى أزوجك ولدي فإني من أجمل قريش ولدا وقال الوليد :
أنا أعطيك من المال حتى ترضى، فإني من أكثرهم مالا، فقرأ عليهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عشر آيات من أول حم السجدة إلى قوله فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ [فصلت : ١- ١٣] فانصرفا عنه وقال أحدهما ظننت أن الكعبة ستقع على.
القول الثاني : أن الآثم والكفور مطلقان غير مختصين بشخص معين، وهذا هو الأقرب إلى الظاهر، ثم قال الحسن الآثم هو المنافق والكفور مشركو العرب، وهذا ضعيف بل الحق ما ذكرناه من أن الآثم عام والكفور خاص.
السؤال الرابع : كانوا كلهم كفرة، فما معنى القسمة في قوله : آثِماً أَوْ كَفُوراً؟ الجواب : الكفور أخبث أنواع الآثم، فخصه بالذكر تنبيها على غاية خبثة ونهاية بعده عن اللّه.
السؤال الخامس : كلمة أو تقتضي النهي عن طاعة أحدهما فلم لم يذكر الواو حتى يكون نهيا عن طاعتهما جميعا؟ الجواب : ذكروا فيه وجهين : الأول : وهو الذي ذكره الزجاج واختاره أكثر المحققين أنه لو قيل : ولا تطعهما لجاز أن يطيع أحدهما لأن النهي عن طاعة مجموع شخصين لا يقتضي النهي عن طاعة كل واحد منهما وحده، أما النهي عن طاعة أحدهما فيكون نهيا عن طاعة مجموعهما لأن الواحد داخل في المجموع، ولقائل أن يقول : هذا ضعيف، لأن قوله : لا تطع هذا وهذا معناه كن مخالفا لأحدهما، ولا يلزم من إيجاب مخالفة أحدهما إيجاب مخالفتهما معا، فإنه لا يبعد أن يقول السيد لعبده : إذا أمرك أحد هذين الرجلين فخالفه، أما إذا توافقا فلا تخالفهما. والثاني : قال الفراء : تقدير الآية لا تطع منهم أحدا سواء كان آثما أو كفورا كقول الرجل لمن يسأله شيئا : لا أعطيك سواء سألت أو سكت.
واعلم أنه تعالى لما ذكر هذا النهي عقبه بالأمر، فقال :
[سورة الإنسان (٧٦) : الآيات ٢٥ إلى ٢٦]
وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (٢٥) وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً (٢٦)
وفي هذه الآية قولان :
الأول : أن المراد هو الصلاة قالوا : لأن التقييد بالبكرة والأصيل يدل على أن المراد من قوله : وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ الصلوات. ثم قالوا : البكرة هي صلاة الصبح والأصيل صلاة الظهر والعصر وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ المغرب والعشاء، فتكون هذه الكلمات جامعة الصلوات الخمس وقوله : وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا المراد منه التهجد، ثم اختلفوا فيه فقال بعضهم : كان ذلك من الواجبات على الرسول عليه السلام، ثم نسخ كما ذكرنا في


الصفحة التالية
Icon