مفاتيح الغيب، ج ٣٠، ص : ٧٧٠
[سورة المرسلات (٧٧) : آية ١٣]
لِيَوْمِ الْفَصْلِ (١٣)
قال ابن عباس رضي اللّه عنهما : يوم يفصل الرحمن بين الخلائق، وهذا كقوله : إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقاتُهُمْ أَجْمَعِينَ [الدخان : ٤٠].
ثم أتبع ذلك تعظيما ثانيا فقال :
[سورة المرسلات (٧٧) : آية ١٤]
وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الْفَصْلِ (١٤)
أي وما علمك بيوم الفصل وشدته ومهابته.
ثم أتبعه بتهويل ثالث فقال :
[سورة المرسلات (٧٧) : آية ١٥]
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (١٥)
أي للمكذبين بالتوحيد والنبوة والمعاد وبكل ما ورد من الأنبياء عليهم السلام وأخبروا عنه، بقي هاهنا سؤالان.
السؤال الأول : كيف وقع النكرة مبتدأ في قوله : وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ؟ الجواب : هو في أصله مصدر منصوب ساد مسد فعله، ولكنه عدل به إلى الرفع للدلالة على معنى ثبات الهلاك / ودوامه للمدعو عليه، ونحوه سَلامٌ عَلَيْكُمْ [الزمر : ٧٣] ويجوز ويلا بالنصب، ولكن لم يقرأ به.
السؤال الثاني : أين جوابه قوله : فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ؟ الجواب : من وجهين أحدهما : التقدير : إنما توعدون لواقع، إذا النجوم طمست، وهذا ضعيف، لأنه يقع في قوله : فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ، الثاني : أن الجواب محذوف، والتقدير فإذا النجوم طمست وإذا وإذا، فحينئذ تقع المجازاة بالأعمال وتقوم القيامة.
[سورة المرسلات (٧٧) : الآيات ١٦ إلى ١٩]
أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ (١٦) ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ (١٧) كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (١٨) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (١٩)
اعلم أن المقصود من هذه الصورة تخويف الكفار وتحذيرهم عن الكفر.
فالنوع الأول : من التخويف أنه أقسم على أن اليوم الذي يوعدون به، وهو يوم الفصل واقع ثم هول فقال : وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الْفَصْلِ [المرسلات : ١٤] ثم زاد في التهويل فقال : وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ [المرسلات : ١٥].
والنوع الثاني من التخويف : ما ذكر في هذه الآية، وهو أنه أهلك الكفرة المتقدمين بسبب كفرهم، فإذا كان الكفر حاصلا في هؤلاء المتأخرين، فلا بد وأن يهلكهم أيضا ثم قال : وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ كأنه يقول، أما الدنيا فحاصلهم الهلاك، وأما الآخرة فالعذاب الشديد وإليه الإشارة بقوله : خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ [الحج : ١١] وفي الآية سؤالان الأول : ما المراد من الأولين والآخرين؟ الجواب : فيه قولان : الأول : أنه


الصفحة التالية
Icon