مفاتيح الغيب، ج ٣٠، ص : ٧٧٤
ينجي اللّه برحمته من يشاء إلى ظل من ظله فهناك يقولون : فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ [الطور : ٢٧] ويقال للمكذبين : انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون من عذاب اللّه وعقابه، وقوله : إِلى ظِلٍّ يعني دخان جهنم كقوله : وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ [الواقعة : ٤٣] ثم إنه تعالى وصف هذا الظل بصفات :
الصفة الأولى : قوله : ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ وفيه وجوه أحدها : قال الحسن : ما أدري ما هذا الظل، ولا سمعت فيه شيئا وثانيها : قال قوم المراد بقوله : إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ كون النار من فوقهم ومن تحت أرجلهم ومحيطة بهم، وتسمية النار بالظل مجاز من حيث إنها محيطة بهم من كل جانب كقوله : لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ، وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ [الزمر : ١٦] وقال تعالى : يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ [العنكبوت : ٥٥] وثالثها : قال قتادة : بل المراد الدخان وهو من قوله : أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها [الكهف : ٢٩] وسرادق النار هو الدخان، ثم إن شعبة من ذلك الدخان على يمينه وشعبة أخرى على يساره، وشعبة ثالثة من فوقه. وأقول هذا غير مستبعد لأن الغضب عن يمينه والشهوة عن شماله، والقوة الشيطانية في دماغه، ومنبع جميع الآفاق الصادرة عن الإنسان في عقائده، وفي أعماله، ليس إلا هذه الثلاثة، فتولدت من هذه الينابيع الثلاثة أنواع من الظلمات، ويمكن أيضا أن يقال : هاهنا درجات ثلاث، وهي الحس والخيال، والوهم، وهي مانعة للروح عن الاستنارة بأنوار عالم القدس والطهارة، ولكل واحد من تلك المراتب الثلاثة نوع خاص من الظلمة ورابعها : قال قوم : هذا كناية عن كون ذلك الدخان عظيما، فإن الدخان العظيم ينقسم إلى شعب كثيرة وخامسها : قال أبو مسلم ويحتمل في ثَلاثِ شُعَبٍ ما ذكره بعد ذلك، وهو أنه : غير ظليل وأنه لا يغني من اللهب وبأنها ترمى بشرر كالقصر.
الصفة الثانية : لذلك الظل قوله : لا ظَلِيلٍ وهذا تهكم بهم وتعريض بأن ظللهم غير ظلل المؤمنين، والمعنى أن ذلك الظل لا يمنع حر الشمس.
الصفة الثالثة : قوله تعالى : وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ يقال : أغن عني وجهك، أي أبعده لأن الغني عن الشيء يباعده، كما أن المحتاج يقاربه، قال صاحب «الكشاف» : إنه في محل الجر، أي وغيره مغن عنهم، من حر اللهب شيئا، قال القفال : وهذا يحتمل وجهين أحدهما : أن هذا الظل إنما يكون في جهنم، فلا يظلهم من حرها، ولا يسترهم من لهيبها، وقد ذكر اللّه في سورة الواقعة الظل فقال : فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ لا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ [الواقعة : ٤٢- ٤٤] وهذا كأنه في جهنم إذا دخلوها، ثم قال : لا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ فيحتمل أن يكون قوله : لا ظَلِيلٍ في معنى : لا بارِدٍ وقوله : وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ / في معنى : وَلا كَرِيمٍ أي لا روح له يلجأ إليه من لهب النار والثاني : أن تكوّن ذلك إنما يكون قبل ان يدخلوا جهنم بل عند ما يحبسون للحساب والعرض، فيقال لهم : إن هذا الظل لا يظلكم من حر الشمس ولا يدفع لهب النار، وفي الآية وجه ثان «١» : وهو الذي قاله قطرب : وهو أن اللهب هاهنا هو العطش يقال : لهب لهبا ورجل لهبان وامرأة لهبى.
الصفة الرابعة : قوله تعالى : إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ قال الواحدي : يقال شررة وشرر وشرارة وشرار، وهو ما تطاير من النار متبددا في كل جهة وأصله من شررت الثوب إذا أظهرته وبسطته للشمس والشرار ينبسط متبددا، واعلم أن اللّه تعالى وصف النار التي كان ذلك الظل دخانا لها بأنها ترمي بالشرارة العظيمة، والمقصود منه بيان

(١) الصواب أن يقال : وفي الآية وجه ثالث. لأن الذي تقدم وجهان.


الصفحة التالية
Icon