مفاتيح الغيب، ج ٣١، ص : ١٣٥
إن الذي سمك السماء بنى لنا بيتا دعائمه أعز وأطول
هذا ما قيل لكن التحقيق ما ذكرنا أن الفرق الثلاثة، العارف والمتوقف والمعاند فالسعيد هو العارف، والمتوقف له بعض الشقاء والأشقى هو المعاند الذي بينا أنه هو الذي لا يلتفت إلى الدعوة ولا يصغى إليها ويتجنبها. أما قوله تعالى :
[سورة الأعلى (٨٧) : آية ١٣]
ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى (١٣)
ففيه مسألتان :
المسألة الأولى : للمفسرين فيه وجهان : أحدهما : لا يموت فيستريح ولا يحيا حياة تنفعه، كما قال : لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها [فاطر : ٣٦] وهذا على مذهب العرب تقول للمبتلى بالبلاء الشديد لا هو حي ولا هو ميت وثانيهما : معناه أن نفس أحدهم في النار تصير في حلقه فلا تخرج فيموت، ولا ترجع إلى موضعها من الجسم فيحيا.
المسألة الثانية : إنما قيل : ثُمَّ لأن هذه الحالة أفظع وأعظم من الصلى فهو متراخ عنه في مراتب الشدة. أما قوله تعالى :
[سورة الأعلى (٨٧) : آية ١٤]
قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (١٤)
ففيه وجهان : أحدهما : أنه تعالى لما ذكر وعيد من أعرض عن النظر والتأمل في دلائل اللّه تعالى، أتبعه بالوعد لمن تزكى ويطهر من دنس الشرك وثانيهما : وهو قول الزجاج : تكثر من التقوى لأن معنى الزاكي النامي الكثير، وهذا الوجه معتضد بقوله تعالى : قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ [المؤمنون :
١، ٢] أثبت الفلاح للمستجمعين لتلك الخصال وكذلك قوله تعالى في أول البقرة : وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [البقرة : ٥] وأما الوجه الأول فإنه معتضد بوجهين : الأول : أنه تعالى لما لم يذكر في الآية ما يجب التزكي عنه علمنا أن المراد هو التزكي عما مر ذكره قبل الآية، وذلك هو الكفر، فعلمنا أن المراد هاهنا : قد / أفلح من تزكى عن الكفر الذي مر ذكره قبل هذه الآية والثاني : أن الاسم المطلق ينصرف إلى المسمى الكامل، وأكمل أنواع التزكية هو تزكية القلب عن ظلمة الكفر فوجب صرف هذا المطلق إليه، ويتأكد هذا التأويل بما روي عن ابن عباس أنه قال معنى : تزكى قول : لا إله إلا اللّه. أما قوله تعالى :
[سورة الأعلى (٨٧) : آية ١٥]
وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (١٥)
ففيه مسائل :
المسألة الأولى : ذكر المفسرون فيه وجوها. أحدها : قال ابن عباس : ذكر معاده وموقفه بين يدي ربه فصلى له. وأقول : هذا التفسير متعين وذلك لأن مراتب أعمال المكلف ثلاثة أولها : إزالة العقائد الفاسدة عن القلب وثانيها : استحضار معرفة اللّه تعالى بذاته وصفاته وأسمائه وثالثها : الاشتغال بخدمته.
فالمرتبة الأولى : هي المراد بالتزكية في قوله : قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى [الأعلى : ١٤].


الصفحة التالية
Icon