مفاتيح الغيب، ج ٣١، ص : ١٣٦
وثانيها : هي المراد بقوله : وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فإن الذكر بالقلب ليس إلا المعرفة.
وثالثها : الخدمة وهي المراد بقوله : فَصَلَّى فإن الصلاة عبارة عن التواضع والخشوع فمن استنار قلبه بمعرفة جلال اللّه تعالى وكبريائه، لا بد وأن يظهر في جوارحه وأعضائه أثر الخضوع والخشوع.
وثانيها : قال قوم من المفسرين قوله : قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى يعني من تصدق قبل مروره إلى العيد :
وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى يعني
ثم صلى صلاة العيد بعد ذلك مع الإمام. وهذا قول عكرمة وأبي العالية وابن سيرين وابن عمر وروي ذلك مرفوعا إلى النبي صلّى اللّه عليهو سلّم،
وهذا التفسير فيه إشكال من وجهين الأول : أن عادة اللّه تعالى في القرآن تقديم ذكر الصلاة على ذكر الزكاة لا تقديم الزكاة على الصلاة والثاني : قال الثعلبي : هذه السورة مكية بالإجماع ولم يكن بمكة عيد ولا زكاة فطر. أجاب الواحدي عنه بأنه لا يمتنع أن يقال : لما كان في معلوم اللّه تعالى أن ذلك سيكون أثنى على من فعل ذلك وثالثها : قال مقاتل : قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى [الأعلى :
١٤] أي تصدق من ماله وذكر ربه بالتوحيد في الصلاة فصلى له، والفرق بين هذا الوجه وما قبله أن هذا يتناول الزكاة والصلاة المفروضتين، والوجه الأول ليس كذلك ورابعها : قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى ليس المراد منه زكاة المال بل زكاة الأعمال أي من تطهر في أعماله من الرياء والتقصير، لأن اللفظ المعتاد أن يقال : في المال زكى ولا يقال تزكى قال تعالى : وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّما يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ [فاطر : ١٨]، وخامسها : قال ابن عباس : وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ أي كبر في خروجه إلى العيد وصلى صلاة العيد وسادسها : المعنى وذكر اسم ربه في صلاته ولا تكون صلاته كصلاة المنافقين حيث يراءون الناس ولا يذكرون اللّه إلا قليلا.
المسألة الثانية : الفقهاء احتجوا بهذه الآية على وجوب تكبيرة الافتتاح، واحتج أبو حنيفة رحمه اللّه بها على أن تكبيرة الافتتاح ليست من الصلاة، قال : لأن الصلاة معطوفة عليها والعطف يستدعي المغايرة، واحتج أيضا بهذه الآية على أن الافتتاح جائز بكل اسم من أسمائه وأجاب أصحابنا بأن تقدير الآية، وصلى فذكر اسم ربه ولا فرق بين أن تقول أكرمتني فزرتني وبين أن تقول زرتني فأكرمتني، ولأبي حنيفة أن يقول : ترك العمل بفاء التعقيب لا يجوز من غير دليل والأولى في الجواب أن يقال : الآية تدل على مدح كل من ذكر اسم اللّه فصلى عقيبه وليس في الآية بيان أن ذلك الذكر هو تكبيرة الافتتاح. فلعل المراد به أن من ذكر اللّه بقلبه وذكر ثوابه وعقابه دعاه ذلك إلى فعل الصلاة، فحينئذ يأتي بالصلاة التي أحد أجزائها التكبير، وحينئذ يندفع الاستدلال. ثم قال تعالى :
[سورة الأعلى (٨٧) : آية ١٦]
بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا (١٦)
وفيه قراءتان : قراءة العامة بالتاء ويؤكده حرف أبي، أي بل أنتم تؤثرون عمل الدنيا على عمل الآخرة. قال ابن مسعود : إن الدنيا أحضرت، وعجل لنا طعامها وشرابها ونساؤها ولذاتها وبهجتها، وإن الآخرة لغيب لنا وزويت عنا، فأخذنا بالعاجل وتركنا الآجل. وقرأ أبو عمرو : يؤثرون بالياء يعني الأشقى. ثم قال تعالى :
[سورة الأعلى (٨٧) : آية ١٧]
وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى (١٧)
وتمامه أن كل ما كان خيرا وأبقى فهو آثر، فيلزم أن تكون الآخرة آثر من الدنيا وهم كانوا يؤثرون الدنيا،


الصفحة التالية
Icon