مفاتيح الغيب، ج ٣١، ص : ١٦٨
وَإِمَّا كَفُوراً
[الإنسان : ١- ٣] وقال الحسن : قال : أَهْلَكْتُ مالًا لُبَداً فمن الذي يحاسبني عليه؟ فقيل : الذي قدر على أن يخلق لك هذه الأعضاء قادر على محاسبتك، وروي عن ابن عباس وسعيد بن المسيب، أنهما الثديان، ومن قال ذلك ذهب إلى أنهما كالطريقين لحياة الولد ورزقه، واللّه تعالى هدى الطفل الصغير حتى ارتضعها، قال القفال : والتأويل هو الأول، ثم قرر وجه الاستدلال به، فقال : إن من قدر على أن يخلق من الماء المهين قلبا عقولا ولسانا قولا، فهو على إهلاك ما خلق قادر، وبما يخفيه المخلوق عالم، فما العذر في الذهاب عن هذا مع وضوحه وما الحجة في الكفر باللّه من تظاهر نعمه، وما العلة في التعزيز على اللّه وعلى أنصار دينه بالمال وهو المعطي له، وهو الممكن من الانتفاع به.
ثم إنه سبحانه وتعالى دل عباده على الوجوه الفاضلة التي تنفق فيها الأموال، وعرف هذا الكافر أن إنفاقه كان فاسدا وغير مفيد، فقال تعالى :
[سورة البلد (٩٠) : آية ١١]
فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (١١)
وفيه مسائل :
المسألة الأولى : الاقتحام الدخول في الأمر الشديد يقال : قحم يقحم قحوما، واقتحم اقتحاما وتقحم تقحما إذا ركب القحم، وهي المهالك والأمور العظام والعقبة طريق في الجبل وعر، الجمع العقب والعقاب، ثم ذكر المفسرون في العقبة هاهنا وجهين الأول : أنها في الآخرة وقال عطاء : يريد عقبة جهنم، وقال الكلبي :
هي عقبة بين الجنة والنار، وقال ابن عمر هي : جبل زلال في جهنم وقال مجاهد والضحاك : هي الصراط يضرب على جهنم، وهو معنى قول الكلبي : إنها عقبة الجنة / والنار، قال الواحدي : وهذا تفسير فيه نظر لأن من المعلوم أن [بني ] هذا الإنسان وغيره لم يقتحموا عقبة جهنم ولا جاوزوها فحمل الآية عليه يكون إيضاحا للواضحات، ويدل عليه أنه لما قال : وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ [البلد : ١٢] فسره بفك الرقبة وبالإطعام الوجه الثاني : في تفسير العقبة هو أن ذكر العقبة هاهنا مثل ضربه اللّه لمجاهدة النفس والشيطان في أعمال البر، وهو قول الحسن ومقاتل : قال الحسن عقبة اللّه شديدة وهي مجاهدة الإنسان نفسه وهواه وعدوه من شياطين الإنس والجن، وأقول هذا التفسير هو الحق لأن الإنسان يريد أن يترقى من عالم الحس والخيال إلى يفاع عالم الأنوار الإلهية ولا شك أن بينه وبينها عقبات سامية دونها صواعق حامية، ومجاوزتها صعبة والترقي إليها شديد.
المسألة الثانية : أن في الآية إشكالا وهو أنه قلما توجد لا الداخلة على المضي إلا مكررة، تقول : لا جنبني ولا بعدني قال تعالى : فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى [القيامة : ٣١] وفي هذه الآية ما جاء التكرير فما السبب فيه؟ أجيب عنه من وجوه الأول : قال الزجاج : إنها متكررة في المعنى لأن معنى فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ فلا فك رقبة ولا أطعم مسكينا، ألا ترى أنه فسر اقتحام العقبة بذلك، وقوله : ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا [البلد : ١٧] يدل أيضا على معنى فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ ولا آمن الثاني : قال أبو علي الفارسي : معنى فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ لم يقتحمها، وإذا كانت لا بمعنى لم كان التكرير غير واجب كما لا يجب التكرير مع لم، فإن تكررت في موضع نحو فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى فهو كتكرر ولم : نحو لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا [الفرقان : ٦٧].
المسألة الثالثة : قال القفال : قوله : فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ أي هلا أنفق ماله فيما فيه اقتحام العقبة؟ وأما


الصفحة التالية
Icon