مفاتيح الغيب، ج ٣١، ص : ١٦٩
الباقون فإنهم أجروا اللفظ على ظاهره وهو الإخبار بأنه ما اقتحم العقبة. ثم قال تعالى :
[سورة البلد (٩٠) : آية ١٢]
وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ (١٢)
فلا بد من تقدير محذوف، لأن العقبة لا تكون فك رقبة، فالمراد وما أدراك ما اقتحام العقبة، وهذا تعظيم لأمر التزام الدين. ثم قال تعالى :
[سورة البلد (٩٠) : آية ١٣]
فَكُّ رَقَبَةٍ (١٣)
والمعنى أن اقتحام العقبة هو الفك أو الإطعام، وفيه مسائل :
المسألة الأولى : الفك فرق يزيل المنع كفك القيد والغل، وفك الرقبة فرق بينها وبين صفة الرق بإيجاب الحرية وإبطال العبودية، ومنه فك الرهن وهو إزالة غلق الرهن، وكل شيء أطلقته فقد فككته، ومنه فك الكتاب، قال الفراء في «المصادر» فكها يفكها فكاكا بفتح الفاء في المصدر ولا تقل بكسرها، ويقال : كانت عادة العرب في الأسارى شد رقابهم وأيديهم فجرى ذلك فيهم وإن لم يشدد، ثم سمي إطلاق الأسير فكاكا، قال الأخطل :
أبنى كليب إن عمى اللذا قتلا الملوك وفككا الأغلال
المسألة الثانية : فك الرقبة قد يكون بأن يعتق الرجل رقبة من الرق، وقد يكون بأن يعطي مكاتبا ما يصرفه إلى جهة فكاك نفسه،
روى البراء بن عازب، قال :«جاء أعرابي إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال : يا رسول اللّه دلني على عمل يدخلني الجنة، قال : عتق النسمة وفك الرقبة قال : يا رسول اللّه أو ليسا واحدا؟ قال : لا، عتق النسمة أن تنفرد بعتقها، وفك الرقبة، أن تعين في ثمنها»
وفيه وجه آخر وهو أن يكون المراد أن يفك المرء رقبة نفسه بما يتكلفه من العبادة التي يصير بها إلى الجنة فهي الحرية الكبرى، ويتخلص بها من النار.
المسألة الثالثة : قرئ : فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعامٌ، والتقدير هي فك رقبة أو إطعام وقرئ :(فك رقبة أو أطعم) على الإبدال من اقتحم العقبة، وقوله : وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ اعتراض، قال الفراء : وهو أشبه الوجهين بصحيح العربية لقوله : ثُمَّ كانَ [البلد : ١٦] لأن فك وأطعم فعل، وقوله : كانَ فعل، وينبغي أن يكون الذي يعطف عليه الفعل فعلا، أما لو قيل : ثم إن كان «١» كان ذلك مناسبا لقوله : فَكُّ رَقَبَةٍ بالرفع لأنه يكون عطفا للاسم على الاسم.
المسألة الرابعة : عند أبي حنيفة العتق أفضل أنواع الصدقات، وعند صاحبيه الصدقة أفضل، والآية أدل على قول أبي حنيفة : لتقدم العتق على الصدقة فيها.
[سورة البلد (٩٠) : آية ١٤]
أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (١٤)
فيه مسائل :
المسألة الأولى : يقال : سغب سغبا إذا جاع فهو ساغب وسغبان، قال صاحب «الكشاف» : المسغبة

(١) أي يكون المعطوف (إن كان) وهي جملة اسمية شرطية.


الصفحة التالية
Icon