مفاتيح الغيب، ج ٣١، ص : ١٧٠
والمقربة والمتربة مفعلات من سغب إذا جاع وقرب في النسب، يقال : فلان ذو قرابتي وذو مقربتي وترب إذا افتقر ومعناه التصق بالتراب، وأما أترب فاستغنى، أي صار ذا مال كالتراب في الكثرة. قال الواحدي : المتربة مصدر من قولهم ترب يترب تربا ومتربة مثل مسغبة إذا افتقر حتى لصق بالتراب.
المسألة الثانية : حاصل القول في تفسير : يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ ما قاله الحسن : وهو نائم يوم محروص فيه على الطعام، قال أبو علي : ومعناه ما يقول النحويون في قولهم : ليل نائم ونهار صائم أي ذو نوم وصوم.
واعلم أن إخراج المال في وقت القحط والضرورة أثقل على النفس وأوجب للأجر، وهو كقوله : وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ [البقرة : ١٧٧] وقال : وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً [الإنسان : ٨] وقرأ الحسن :(ذا مسغبة) نصبه بإطعام ومعناه أو إطعام في يوم من الأيام ذا مسغبة. أما قوله تعالى :
[سورة البلد (٩٠) : آية ١٥]
يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ (١٥)
قال الزجاج : ذا قرابة تقول زيد ذو قرابتي وذو مقربتي، وزيد / قرابتي قبيح لأن القرابة مصدر، قال مقاتل : يعني يتيما بينه وبينه قرابة، فقد اجتمع فيه حقان يتم وقرابة، فاطعامه أفضل، وقيل : يدخل فيه القرب بالجوار، كما يدخل فيه القرب بالنسب. أما قوله تعالى :
[سورة البلد (٩٠) : آية ١٦]
أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ (١٦)
أي مسكينا قد لصق بالتراب من فقره وضره، فليس فوقه ما يستره ولا تحته ما يوطئه، روى أن ابن عباس مر بمسكين لاصق بالتراب فقال : هذا الذي قال اللّه تعالى [فيه ] : أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ واحتج الشافعي بهذه الآية على أن المسكين قد يكون بحيث يملك شيئا، لأنه لو كان لفظ المسكين دليلا على أنه لا يملك شيئا ألبتة، لكان تقييده بقوله : ذا مَتْرَبَةٍ تكريرا وهو غير جائز.
[سورة البلد (٩٠) : آية ١٧]
ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (١٧)
أما قوله تعالى : ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا أي كان مقتحم العقبة من الذين آمنوا، فإنه إن لم يكن منهم لم ينتفع بشيء من هذه الطاعات، ولا مقتحما للعقبة
فإن قيل : لما كان الإيمان شرطا للانتفاع بهذه الطاعات وجب كونه مقدما عليها، فما السبب في أن اللّه تعالى أخره عنها بقوله : ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا؟ والجواب : من وجوه أحدها : أن هذا التراخي في الذكر لا في الوجود، كقوله :
إن من ساد ثم ساد أبوه ثم قد ساد قبل ذلك جده
لم يرد بقوله : ثم ساد أبوه التأخر في الوجود، وإنما المعنى، ثم اذكر أنه ساد أبوه. كذلك في الآية وثانيها : أن يكون المراد، ثم كان في عاقبة أمره من الذين آمنوا وهو أن يموت على الإيمان فإن الموافاة شرط الانتفاع بالطاعات وثالثها : أن من أتى بهذه القرب تقربا إلى اللّه تعالى قبل إيمانه بمحمد صلّى اللّه عليه وسلّم ثم آمن بعد ذلك بمحمد عليه الصلاة والسلام، فعند بعضهم أنه يثاب على تلك الطاعات، قالوا : ويدل عليه ما
روي :«أن حكيم بن حزام بعد ما أسلم قال لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : إنا كنا نأتي بأعمال الخير في الجاهلية فهل لنا منها شي ء؟ فقال


الصفحة التالية
Icon