مفاتيح الغيب، ج ٣١، ص : ١٧١
عليه السلام : أسلمت على ما قدمت من الخير»
ورابعها : أن المراد من قوله : ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا تراخي الإيمان وتباعده في الرتبة والفضيلة عن العتق والصدقة لأن درجة ثواب الإيمان أعظم بكثير من درجة ثواب سائر الأعمال.
أما قوله تعالى : وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ فالمعنى أنه كان يوصي بعضهم بعضا بالصبر على الإيمان والثبات عليه أو الصبر على المعاصي وعلى الطاعات والمحن التي يبتلي بها المؤمن ثم ضم إليه التواصي بالمرحمة وهو أن يحث بعضهم بعضا على أن يرحم المظلوم أو الفقير، أو يرحم المقدم على منكر فيمنعه منه لأن كل ذلك داخل في الرحمة، وهذا يدل على أنه يجب على المرء أن / يدل غيره على طريق الحق ويمنعه من سلوك طريق الشر والباطل ما أمكنه، واعلم أن قوله : ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ يعني يكون مقتحم العقبة من هذه الزمرة والطائفة، وهذه الطائفة هم أكابر الصحابة كالخلفاء الأربعة وغيرهم، فإنهم كانوا مبالغين في الصبر على شدائد الدين والرحمة على الخلق، وبالجملة فقوله : وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ إشارة إلى التعظيم لأمر اللّه، وقوله : وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ إشارة إلى الشفقة على خلق اللّه، ومدار أمر الطاعات ليس إلا على هذين الأصلين وهو الذي قاله بعض المحققين، إن الأصل في التصوف أمران : صدق مع الحق وخلق مع الخلق.
ثم إنه سبحانه لما وصف هؤلاء المؤمنين بين أنهم من هم في القيامة فقال :
[سورة البلد (٩٠) : آية ١٨]
أُولئِكَ أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ (١٨)
وإنما ذكر ذلك لأنه تعالى بين حالهم في سورة الواقعة وأنهم فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ [الواقعة : ٢٨، ٢٩] قال صاحب «الكشاف» : الميمنة والمشأمة، اليمين والشمال، أو اليمين والشؤم، أي الميامين على أنفسهم والمشائيم عليها. ثم قال تعالى :
[سورة البلد (٩٠) : آية ١٩]
وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا هُمْ أَصْحابُ الْمَشْأَمَةِ (١٩)
فقيل : المراد من يؤتي كتابه بشماله أو وراء ظهره، وقد تقدم وصف اللّه لهم بأنهم : فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ [الواقعة : ٤٢] إلى غير ذلك. ثم قال تعالى :
[سورة البلد (٩٠) : آية ٢٠]
عَلَيْهِمْ نارٌ مُؤْصَدَةٌ (٢٠)
وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قال الفراء والزجاج والمبرد : يقال آصدت الباب وأو صدته إذا أغلقته، فمن قرأ مؤصدة بالهمزة أخذها من آصدت فهمز اسم المفعول، ويجوز أن يكون من أوصدت ولكنه همز على لغة من يهمز الواو وإذا كان قبلها ضمة نحو مؤسي، ومن لم يهمز احتمل أيضا أمرين :
أحدهما : أن يكون من لغة من قال : أوصدت فلم يهمز اسم المفعول كما يقال : من أوعدت موعد.
الآخر : أن يكون من آصد مثل آمن ولكنه خفف كما في تخفيف جؤنة وبؤس جونة وبوس فيقلبها في


الصفحة التالية
Icon