مفاتيح الغيب، ج ٣١، ص : ١٩٩
بقلبه إلا أنه كان في الظاهر لا يظهر لهم خلافا، فعبر عن ذلك بالضلال العشرون :
روى علي عليه السلام عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أنه قال :«ما هممت بشيء مما كان أهل الجاهلية يعملون به غير مرتين، كل ذلك يحول اللّه بيني وبين ما أريد من ذلك، ثم ما هممت بعدهما بسوء حتى أكرمني اللّه برسالته، فإني قلت ليلة لغلام من قريش، كان يرعى معي بأعلى مكة، لو حفظت لي غنمي حتى أدخل مكة، فأسمر بها كما يسمر الشبان، فخرجت أريد ذلك حتى أتيت أول دار من دور مكة، فسمعت عزفا بالدفوف والمزامير، فقالوا فلان ابن فلان يزوج بفلانة، فجلست أنظر إليهم وضرب اللّه على أذني فنمت فما أيقظني إلا مس الشمس، قال فجئت صاحبي، فقال ما فعلت؟ فقلت ما صنعت شيئا، ثم أخبرته الخبر، قال : ثم قلت له ليلة أخرى مثل ذلك، فضرب اللّه على أذني فما أيقظني إلا مس الشمس، ثم ما هممت بعدهما بسوء حتى أكرمني اللّه تعالى برسالته».
أما قوله تعالى :
[سورة الضحى (٩٣) : آية ٨]
وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى (٨)
ففيه مسائل :
المسألة الأولى : العائل هو ذو العيلة، وذكرنا ذلك عند قوله : أَلَّا تَعُولُوا [النساء : ٣] ويدل عليه قوله تعالى : وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً [التوبة : ٢٨] ثم أطلق العائل على الفقير، وإن لم يكن له عيال، وهاهنا في تفسير العائل قولان :
الأول : وهو المشهور أن المراد هو الفقير، ويدل عليه ما روى أنه في مصحف عبد اللّه :/ (و وجدك عديما) وقرئ عيلا كما قرئ سيحات «١»، ثم في كيفية الإغناء وجوه الأول : أن اللّه تعالى أغناه بتربية أبي طالب، ولما اختلت أحوال أبي طالب أغناه [اللّه ] بمال خديجة، ولما اختل ذلك أغناه [اللّه ] بمال أبي بكر، ولما اختل ذلك أمره بالهجرة وأغناه بإعانة الأنصار، ثم أمره بالجهاد، وأغناه بالغنائم، وإن كان إنما حصل بعد نزول هذه السورة، لكن لما كان ذلك معلوم الوقوع كان كالواقع،
روي أنه عليه السلام :«دخل على خديجة وهو مغموم، فقالت له مالك، فقال : الزمان زمان قحط فإن أنا بذلت المال ينفذ مالك فأستحي منك، وإن لم أبذل أخاف اللّه، فدعت قريشا وفيهم الصديق، قال الصديق : فأخرجت دنانير وصبتها حتى بلغت مبلغا لم يقع بصري على من كان جالسا قدامي لكثرة المال، ثم قالت : اشهدوا أن هذا المال ماله إن شاء فرقه، وإن شاء أمسكه»
الثاني : أغناه بأصحابه كانوا يعبدون اللّه سرا حتى
قال عمر حين أسلم : أبرز أتعبد اللات جهرا ونعبد اللّه سرا! فقال عليه السلام : حتى تكثر الأصحاب، فقال حسبك اللّه وأنا فقال تعالى : حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الأنفال : ٦٤] فأغناه اللّه بمال أبي بكر، وبهيبة عمر»
الثالث : أغناك بالقناعة فصرت بحال يستوي عندك الحجر والذهب، لا تجد في قلبك سوى ربك، فربك غني عن الأشياء لا بها، وأنت بقناعتك استغنيت عن الأشياء، وإن الغنى الأعلى الغنى عن الشيء لا به، ومن ذلك أنه عليه السلام خير بين الغنى والفقر، فاختار الفقر الرابع : كنت عائلا عن البراهين والحجج، فأنزل اللّه عليك القرآن، وعلمك ما لم تكن تعلم فأغناك.
القول الثاني في تفسير العائل : أنت كنت كثير العيال وهم الأمة، فكفاك. وقيل فأغناهم بك لأنهم فقراء

(١) هكذا في الأصل ولعله يعني قرئ : ووجدك عيلا تشديد لياء مع كسرها كما قرئ : سيحات كذلك في قوله تعالى : سائِحاتٍ [التحريم : ٥]. واللّه أعلم الصاوي.


الصفحة التالية
Icon