مفاتيح الغيب، ج ٣١، ص : ٧
الْعالَمِينَ
[المطففين : ٤، ٦] وقوله : قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ [ص : ٦٧، ٦٨] ولأن هذا اليوم أعظم الأشياء لأن ذلك منتهى فزع الخلق وخوفهم منه فكان تخصيص اسم العظيم به لائقا والقول الثاني : إِنَّهُ لَقُرْآنٌ [الواقعة : ٧٧] واحتج القائلون بهذا الوجه بأمرين الأول : أن النبأ العظيم هو الذي كانوا يختلفون فيه وذلك هو القرآن لأن بعضهم جعله سحرا وبعضهم شعرا، وبعضهم قال إنه أساطير الأولين، فأما البعث ونبوة محمد صلّى اللّه عليه وسلّم فقد كانوا متفقين على إنكارهما وهذا ضعيف، لأنا بينا أن الاختلاف كان حاصلا في البعث الثاني : أن النبأ اسم الخبر لا اسم المخبر عنه فتفسير النبأ بالقرآن أولى من تفسيره بالبعث أو النبوة، لأن ذلك في نفسه ليس بنبإ بل منبأ عنه، ويقوى ذلك أن القرآن سمي ذكرا وتذكرة وذكرى وهداية وحديثا، فكان اسم النبأ به أليق منه بالبعث والنبوة والجواب : عنه أنه إذا كان اسم النبأ أليق بهذه الألفاظ فاسم العظيم أليق بالقيامة وبالنبوة لأنه لا عظمة في الألفاظ إنما العظمة في المعاني، وللأولين أن يقولوا إنها عظيمة أيضا في الفصاحة والاحتواء على العلوم الكثيرة، ويمكن أن يجاب أن العظيم حقيقة في الأجسام مجاز في غيرها وإذا ثبت التعارض بقي ما ذكرنا من الدلائل سليما القول الثالث : أن النبأ العظيم هو نبوة محمد صلّى اللّه عليه وسلّم، قالوا وذلك لأنه لما بعث الرسول عليه الصلاة والسلام جعلوا يتساءلون بينهم ماذا الذي حدث؟ فأنزل اللّه تعالى : عَمَّ يَتَساءَلُونَ وذلك لأنهم عجبوا من إرسال اللّه محمدا عليه الصلاة والسلام إليهم كما قال تعالى : بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقالَ الْكافِرُونَ هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ [ق : ٢] وعجبوا أيضا أن جاءهم بالتوحيد كما قال : أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ [ص : ٥] فحكى اللّه تعالى عنهم مساءلة
بعضهم بعضا على سبيل التعجب بقوله : عَمَّ يَتَساءَلُونَ.
المسألة الثانية : في كيفية اتصال هذه الآية بما قبلها وجوه أحدها : وهو قول البصريين أن قوله : عَمَّ يَتَساءَلُونَ كلام تام، ثم قال : عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ والتقدير : يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ إلا أنه حذف يتساءلون في الآية الثانية، لأن حصوله في الآية الأولى يدل عليه وثانيها : أن يكون قوله : عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ استفهاما متصلا بما قبله، والتقدير : عم يتساءلون أعن النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون، إلا أنه اقتصر على ما قبله من الاستفهام إذ هو متصل به، وكالترجمة والبيان له كما قرئ في قوله : أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ [الصافات : ١٦] بكسر الألف من غير استفهام لأن إنكارهم إنما كان للبعث، ولكنه لما ظهر الاستفهام في أول الكلام اقتصر عليه، فكذا هاهنا وثالثها : وهو اختيار الكوفيين أن الآية الثانية متصلة بالأولى على تقدير، لأي شيء يتساءلون عن النبأ العظيم، وعم كأنها في المعنى لأي شيء، وهذا قول الفراء.
[سورة النبإ (٧٨) : الآيات ٤ إلى ٥]
كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ (٤) ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ (٥)
قال القفال : كلا لفظة وضعت لرد شيء قد تقدم، هذا هو الأظهر منها في الكلام، والمعنى ليس الأمر كما يقوله هؤلاء في النبأ العظيم إنه باطل أو إنه لا يكون، وقال قائلون كلا معناه حقا، ثم إنه تعالى قرر ذلك الردع والتهديد، فقال : كَلَّا سَيَعْلَمُونَ وهو وعيد لهم بأنهم سوف يعلمون أن ما يتساءلون عنه ويضحكون منه حق لا دافع له، واقع لا ريب فيه، وأما تكرير الردع، ففيه وجهان الأول : أن الغرض من التكرير التأكيد