مفاتيح الغيب، ج ٣١، ص : ٨٣
السؤال الثاني : هو أن اللغة المعتادة أن يقال كالوا لهم، أو وزنوا لهم، ولا يقال كلته ووزنته فما وجه قوله تعالى : وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ؟ والجواب من وجوه : الأول : أن المراد من قوله (كالوهم أو وزنوهم) كالوا لهم أو وزنوا لهم، فحذف الجار وأوصل الفعل. قال الكسائي والفراء : وهذا من كلام أهل الحجاز، ومن جاورهم يقولون : زنى كذا، كلى كذا، ويقولون صدتك وصدت لك، وكسبتك وكسبت لك، فعلى هذا الكناية في كالوهم ووزنوهم في موضع نصب الثاني : أن يكون على حذف المضاف، وإقامة المضاف إليه مقامه، والتقدير : وإذا كالوا مكيلهم، أو وزنوا موزونهم الثالث : يروى عن عيسى بن عمر، وحمزة أنهما كانا يجعلان الضميرين توكيدا لما في كالوا ويقفان عند الواوين وقيفة يبينان بها ما أرادا، وزعم الفراء والزجاج أنه غير جائز، لأنه لو كان بمعنى كالوهم لكان في المصحف ألف مثبتة قبل هم، واعترض صاحب «الكشاف» على هذه الحجة، فقال إن خط المصحف لم يراع في كثير منه حد المصطلح عليه في علم الحظ والجواب أن إثبات هذه الألف لو لم يكن معتادا في زمان الصحابة فكان يجب إثباتها في سائر الأعصار، لما أنا نعلم مبالغتهم في ذلك، فثبت أن إثبات هذه الألف كان معتادا في زمان الصحابة فكان يجب إثباته هاهنا.
السؤال الثالث : ما السبب في أنه قال : وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا ولم يقل إذا اتزنوا، ثم قال :
وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ فجمع بينهما؟ الجواب : أن الكيل والوزن بهما الشراء والبيع فأحدهما يدل على الآخر.
السؤال الرابع : اللغة المعتادة أن يقال خسرته، فما الوجه في أخسرته؟ الجواب قال الزجاج : أخسرت الميزان وخسرته سواء أي نقصته، وعن المؤرج يخسرون ينقصون بلغة قريش.
المسألة الثالثة : عن عكرمة عن ابن عباس قال : لما قدم نبي اللّه المدينة كانوا من أبخس الناس كيلا، فأنزل اللّه تعالى هذه الآية، فأحسنوا الكيل بعد ذلك، وقيل كان أهل المدينة تجارا يطففون وكانت بياعاتهم المنابذة والملامسة والمخاطرة، فنزلت هذه الآية، فخرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقرأها عليهم، وقال «خمس بخمس» قيل يا رسول اللّه، وما خمس بخمس؟ قال ما نقص قوم العهد إلا سلط اللّه عليهم عدوهم، وما حكموا بغير ما أنزل اللّه إلا فشا فيهم الفقر، وما ظهرت فيهم الفاحشة إلا فشا فيهم الموت، ولا طففوا الكيل إلا منعوا النبات وأخذوا بالسنين، ولا منعوا الزكاة إلا حبس عنهم المطر».
المسألة الرابعة : الذم إنما لحقهم بمجموع أنهم يأخذون زائدا، ويدفعون ناقصا، ثم اختلف العلماء، فقال بعضهم : هذه الآية دالة على الوعيد، فلا تتناول إلا إذا بلغ التطفيف حد الكثير، وهو نصاب السرقة، وقال آخرون بل ما يصغر ويكبر دخل تحت الوعيد، لكن بشرط / أن لا يكون معه توبة ولا طاعة أعظم منها، وهذا هو الأصح.
المسألة الخامسة : احتج أصحاب الوعيد بعموم هذه الآية، قالوا : وهذه الآية واردة في أهل الصلاة لا في الكفار، والذي يدل عليه وجهان الأول : أنه لو كان كافرا لكان ذلك الكفر أولى باقتضاء هذا الويل من التطفيف، فلم يكن حينئذ للتطفيف أثر في هذا الويل، لكن الآية دالة على أن الموجب لهذا الويل هو التطفيف الثاني : أنه تعالى قال : للمخاطبين بهذه الآية : أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ [المطففين : ٤، ٥] فكأنه تعالى هدد المطففين بعذاب يوم القيامة، والتهديد بهذا لا يحصل إلا مع المؤمن، فثبت بهذين الوجهين أن هذا


الصفحة التالية
Icon