مفاتيح الغيب، ج ٣١، ص : ٨٤
الوعيد مختص بأهل الصلاة والجواب : عنه ما تقدم مرارا، ومن لواحق هذه المسألة أن هذا الوعيد يتناول من يفعل ذلك ومن يعزم عليه إذ العزم عليه أيضا من الكبائر. واعلم أن أمر المكيال والميزان عظيم، وذلك لأن عامة الخلق يحتاجون إلى المعاملات وهي مبنية على أمر المكيال والميزان، فلهذا السبب عظم اللّه أمره فقال :
وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ [الرحمن : ٧- ٩] وقال : لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ [الحديد : ٢٥] وعن قتادة :«أوف يا ابن آدم الكيل كما تحب أن يوفى لك، واعدل كما تحب أن يعدل لك» وعن الفضيل : بخس الميزان سواد الوجه يوم القيامة، وقال أعرابي لعبد الملك بن مروان : قد سمعت ما قال اللّه تعالى في المطففين! أراد بذلك أن المطفف قد توجه عليه الوعيد العظيم في أخذ القليل، فما ظنك بنفسك وأنت تأخذ الكثير، وتأخذ أموال المسلمين بلا كيل ولا وزن.
[سورة المطففين (٨٣) : الآيات ٤ إلى ٦]
أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (٤) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (٥) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (٦)
اعلم أنه تعالى وبخ هؤلاء المطففين فقال : أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ الذين يطففون أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ وهو يوم القيامة، وفي الظن هاهنا قولان : الأول : أن المراد منه العلم، وعلى هذا التقدير يحتمل أن يكون المخاطبون بهذا الخطاب من جملة المصدقين بالبعث، ويحتمل أن لا يكونوا كذلك أما الاحتمال الأول : فهو ما روي أن المسلمين من أهل المدينة وهم الأوس والخزرج كانوا كذلك، وحين ورد النبي صلّى اللّه عليه وسلّم كان ذلك شائعا فيهم، وكانوا مصدقين بالبعث والنشور، فلا جرم ذكروا به، وأما إن قلنا : بأن المخاطبين بهذه الآية ما كانوا مؤمنين بالبعث إلا أنهم كانوا متمكنين من الاستدلال عليه، لما في العقول من إيصال الجزاء إلى المحسن والمسيء، أو / إمكان ذلك إن لم يثبت وجوبه، وهذا مما يجوز أن يخاطب به من ينكر البعث، والمعنى ألا يتفكرون حتى يعلموا أنهم مبعوثون، لكنهم قد أعرضوا عن التفكر، وأراحوا أنفسهم عن متاعبه ومشاقه، وإنما يجعل العلم الاستدلال ظنا، لأن أكثر العلوم الاستدلالية راجع إلى الأغلب في الرأي، ولم يكن كالشك الذي يعتدل الوجهان فيه لا جرم سمي ذلك ظنا القول الثاني : أن المراد من الظن هاهنا هو الظن نفسه لا العلم، ويكون المعنى أن هؤلاء المطففين هب أنهم لا يجزمون بالبعث ولكن لا أقل من الظن، فإن الأليق بحكمة اللّه ورحمته ورعايته مصالح خلقه أن لا يهمل أمرهم بعد الموت بالكلية، وأن يكون لهم حشر ونشر، وأن هذا الظن كاف في حصول الخوف، كأنه سبحانه وتعالى يقول : هب أن هؤلاء لا يقطعون به أفلا يظنونه أيضا، فأما قوله تعالى : يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ ففيه مسائل :
المسألة الأولى : قرئ يَوْمَ بالنصب والجر، أما النصب فقال الزجاج : يوم منصوب بقوله مَبْعُوثُونَ والمعنى ألا يظنون أنهم يبعثون يوم القيامة، وقال الفراء : وقد يكون في موضع خفض إلا أنه أضيف إلى يفعل فنصب، وهذا كما ذكرنا في قوله : يَوْمَ لا تَمْلِكُ وأما الجر فلكونه بدلا من لِيَوْمٍ عَظِيمٍ.
المسألة الثانية : هذا القيام له صفات :


الصفحة التالية
Icon