مفاتيح الغيب، ج ٣١، ص : ٩٢
أحدهما : أنه ما يشاهد في وجوههم من الضحك والاستبشار، على ما قال تعالى : وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ [عبس : ٣٨، ٣٩].
الثاني : قال عطاء إن اللّه تعالى يزيد في وجوههم من النور والحسن والبياض ما لا يصفه واصف، وتفسير النضرة : قد سبق عند قوله : ناضِرَةٌ.
المسألة الثانية : قرئ : تعرف على البناء للمفعول ونضرة النعيم بالرفع.
وثالثها : قوله : يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : في بيان أن الرحيق ما هو؟ قال الليث : الرحيق الخمر. وأنشد لحسان.
بردى يصفق بالرحيق السلسل وقال أبو عبيدة والزجاج : الرحيق من الخمر ما لا غش فيه ولا شيء يفسده، ولعله هو الخمر الذي وصفه اللّه تعالى بقوله : لا فِيها غَوْلٌ [الصافات : ٤٧].
المسألة الثانية : ذكر اللّه تعالى لهذا : الرحيق صفات :
الصفة الأولى : قوله : مَخْتُومٍ وفيه وجوه : الأول : قال القفال : يحتمل أن هؤلاء يسقون من شراب مختوم قد ختم عليه تكريما له بالصيانة على ما جرت به العادة من ختم ما يكرم ويصان، وهناك خمر آخر تجري منها أنهار كما قال : وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ [محمد : ١٥] إلا أن هذا المختوم أشرف في الجاري الثاني : قال أبو عبيدة والمبرد والزجاج : المختوم الذي له ختام أي عاقبة والثالث : روي عن عبد اللّه في مختوم أنه ممزوج، قال الواحدي : وليس بتفسير لأن الختم لا يكون تفسيره المزج، ولكن لما كانت له عاقبة هي ريح المسك فسره بالممزوج، لأنه لو لم يمتزج بالمسك لما حصل فيه ريح المسك الرابع : قال مجاهد مختوم مطين، قال الواحدي : كان مراده من الختم بالطين، هو أن لا تمسه يد إلى أن يفك ختمه الأبرار، والأقرب من جميع هذه الوجوه الوجه الأول الذي ذكره القفال الصفة الثانية : لهذا الرحيق قوله : خِتامُهُ مِسْكٌ وفيه وجوه الأول : قال القفال : معناه أن الذي يختم به رأس قارورة ذلك الرحيق هو المسك، كالطين الذي يختم به رؤوس القوارير، فكان ذلك المسك رطب ينطبع ذلك المسك رطب ينطبع فيه الخاتم، وهذا الوجه مطابق للوجه الأول الذي حكيناه عن القفال في تفسير قوله : مَخْتُومٍ، الثاني : المراد من قوله : خِتامُهُ مِسْكٌ أي عاقبته المسك أي يختم له آخره بريح المسك، وهذا الوجه مطابق للوجه الذي حكيناه عن أبي عبيدة في تفسير قوله : مَخْتُومٍ كأنه تعالى قال من رحيق له عاقبة، ثم فسر تلك العاقبة فقال : تلك العاقبة مسك أي من شربه كان ختم شربه على ريح المسك، وهذا قول علقمة والضحاك وسعيد بن جبير، ومقاتل وقتادة قالوا : إذا رفع الشارب فاه من آخر شرابه وجد ريحه كريح المسك، والمعنى لذاذة المقطع وذكاء الرائحة وأرجها، مع طيب الطعم، والختام آخر كل شيء، ومنه يقال : ختمت القرآن، والأعمال بخواتيمها ويؤكده قراءة علي عليه السلام، واختيار الكسائي فإنه يقرأ :(خاتمه مسك) أي آخره كما يقال : خاتم النبيين، قال الفراء : وهما متقاربان في المعنى إلا أن الخاتم اسم والختام مصدر كقولهم : هو كريم الطباع والطابع الثالث : معناه خلطه مسك، وذكروا أن فيه تطيبا لطعمه. وقيل : بل لريحه وأقول : لعل المراد أن الخمر الممزوج بهذه الأفاويه الحارة مما يعين على الهضم وتقوية / الشهوة،


الصفحة التالية
Icon