مفاتيح الغيب، ج ٣٢، ص : ٢٠٧
وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قال المبرد : هذا محمول على معنى ألم نشرح لا على لفظه، لأنك لا تقول ألم وضعنا ولكن معنى ألم نشرح قدشرحنا، فحمل الثاني على معنى الأول لا على ظاهر اللفظ، لأنه لو كان معطوفا على ظاهره لوجب أن يقال : ونضع عنك وزرك.
المسألة الثانية : معنى الوزر ثقل الذنب، وقد مر تفسيره عند قوله : وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ [الأنعام : ٣١] وهو كقوله تعالى : لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ [الفتح : ٢].
المسألة الثالثة وأما قوله : أَنْقَضَ ظَهْرَكَ فقال علماء اللغة : الأصل فيه أن الظهر إذا أثقل الحمل سمع له نقيض أي صوت خفي، وهو صوت المحامل والرحال والأضلاع، أو البعير إذا أثقله الحمل فهو مثل لما كان يثقل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من أوزاره.
المسألة الرابعة : احتج بهذه الآية من أثبت المعصية للأنبياء عليهم السلام والجواب : عنه من وجهين الأول : أن الذين يجوزون الصغائر على الأنبياء عليهم السلام حملوا هذه الآية عليها، لا يقال : إن قوله : الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ يدل على كونه عظيما فكيف يليق ذلك بالصغائر، لأنا نقول : إنما وصف ذلك بإنقاض الظهر مع كونها مغفورة لشدة اغتمام النبي صلّى اللّه عليه وسلّم بوقوعه منه وتحسره مع ندمه عليه، وأما إنما وصفه بذلك لأن تأثيره فيما يزول به من الثواب عظيم، فيجوز لذلك ما ذكره اللّه تعالى. هذا تقرير الكلام على قول المعتزلة وفيه إشكال، وهو أن العفو عن الصغيرة واجب على اللّه تعالى عند القاضي، واللّه تعالى ذكر هذه الآية في معرض الامتنان، ومن المعلوم أن الامتنان بفعل الواجب غير جائز الوجه الثاني : أن يحمل ذلك على غير الذنب، وفيه وجوه أحدها : قال قتادة : كانت للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم ذنوب سلفت منه في الجاهلية قبل النبوة، وقد أثقلته فغفرها له وثانيها : أن المراد منه تخفيف أعباء النبوة التي تثقل الظهر من القيام بأمرها وحفظ موجباتها والمحافظة على حقوقها، فسهل اللّه تعالى ذلك عليه، وحط عنه ثقلها بأن يسرها عليه حتى تيسرت له وثالثها : الوزر ما كان يكرهه من تغييرهم لسنة الخليل وكان لا يقدر على منعهم إلى أن قواه اللّه، وقال له : أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ [النحل : ١٢٣].
ورابعها : أنها ذنوب أمته صارت كالوزر عليه، ماذا يصنع في حقهم إلى أن قال : وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ [الأنفال : ٣٣] فأمنه من العذاب في العاجل، ووعد له الشفاعة في الآجل وخامسها : معناه عصمناك عن الوزر الذي ينقض ظهرك، لو كان ذلك الذنب حاصلا، فسمى العصمة وضعا مجازا، فمن ذلك ما
روي أنه حضر وليمة / فيها دف ومزامير قبل البعثة ليسمع، فضرب اللّه على أذنه فلم يوقظه إلا حر الشمس من الغد
وسادسها : الوزر ما أصابه من الهيبة والفزع في أول ملاقاة جبريل عليه السلام، حين أخذته الرعدة، وكاد يرمي نفسه من الجبل، ثم تقوى حتى ألفه وصار بحالة كاد يرمي بنفسه من الجبل لشدة اشتياقه وسابعها : الوزر ما كان يلحقه من الأذى والشتم حتى كاد ينقض ظهره وتأخذه الرعدة، ثم قواه اللّه تعالى حتى صار بحيث كانوا يدمون وجهه، و[هو]
يقول :«اللهم اهد قومي»
وثامنها : لئن كان نزول السورة بعد موت أبي طالب وخديجة، فلقد كان فراقهما عليه وزرا عظيما، فوضع عنه الوزر برفعه إلى السماء حتى لقيه كل ملك وحياة فارتفع له الذكر، فلذلك قال : وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ وتاسعها : أن المراد من الوزر والثقل الحيرة التي كانت له قبل البعثة، وذلك


الصفحة التالية
Icon