مفاتيح الغيب، ج ٣٢، ص : ٢٣١
قال : إذا كانت تلك الليلة، فأعلمني فإذا هي السابعة والعشرون من رمضان. وأما من قال : إنها الليلة الاخيرة قال : لأنها هي الليلة التي تتم فيها طاعات هذا الشهر، بل أول رمضان كآدم وآخره كمحمد، ولذلك
روي في الحديث «يعتق في آخر رمضان بعدد ما أعتق من أول الشهر»،
بل الليلة الأولى كمن ولد له ذكر، فهي ليلة شكر، والأخيرة ليلة الفراق، كمن مات له ولد، فهي ليلة صبر، وقد علمت فرق ما بين الصبر والشكر. ثم قال تعالى :
[سورة القدر (٩٧) : آية ٢]
وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ (٢)
يعني ولم تبلغ درايتك غاية فضلها ومنتهى علو قدرها، ثم إنه تعالى بين فضيلتها من ثلاثة أوجه : الأول :
قوله تعالى :
[سورة القدر (٩٧) : آية ٣]
لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (٣)
وفيه مسائل :
المسألة الأولى : في تفسير الآية وجوه أحدها : أن العبادة فيها خير من ألف شهر ليس فيها هذه الليلة، لأنه كالمستحيل أن يقال إنها : خير من ألف شهر فيها هذه الليلة، وإنما كان كذلك لما يزيد اللّه فيها من المنافع والأرزاق وأنواع الخير وثانيها : قال مجاهد : كان في بني إسرائيل رجل يقوم الليل حتى يصبح ثم يجاهد حتى يمسي فعل ذلك ألف شهر، فتعجب رسول اللّه صلى الله عليه وسلّم والمسلمون من ذلك، فأنزل اللّه هذه الآية، أي ليلة القدر لأمتك خير من ألف شهر لذلك الإسرائيلي الذي حمل السلاح ألف شهر وثالثها :
قال مالك بن أنس : أري / رسول اللّه صلى الله عليه وو سلّم أعمار الناس، فاستقصر أعمار أمته، وخاف أن لا يبلغوا من الأعمال مثل ما بلغه سائر الأمم، فأعطاه اللّه ليلة القدر وهي خير من ألف شهر لسائر الأمم
ورابعها :
روى القاسم بن فضل عن عيسى بن مازن، قال : قلت للحسن بن علي عليه السلام يا مسود وجوه المؤمنين عمدت إلى هذا الرجل فبايعت له يعني معاوية، فقال : إن رسول اللّه صلى الله عليه وسلّم، رأى في منامه بني أمية يطؤن منبره واحدا بعد واحد، وفي رواية ينزون على منبره نزو القردة، فشق ذلك عليه فأنزل اللّه تعالى : إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ إلى قوله : خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ يعني ملك بني أمية قال القاسم فحسبنا ملك بني أمية، فإذا هو ألف شهر.
طعن القاضي في هذه الوجوه فقال : ما ذكر من ألف شهر في أيام بني أمية بعيد، لأنه تعالى لا يذكر فضلها بذكر ألف شهر مذمومة، وأيام بني أمية كانت مذمومة.
واعلم أن هذا الطعن ضعيف، وذلك لأن أيام بني أمية كانت أياما عظيمة بحسب السعادات الدنيوية، فلا يمتنع أن يقول اللّه تعالى إني : أعطيتك ليلة هي في السعادات الدينية أفضل من تلك السعادات الدنيوية.
المسألة الثانية : هذه الآية فيها بشارة عظيمة وفيها تهديد عظيم، أما البشارة فهي أنه تعالى ذكر أن هذه الليلة خير، ولم يبين قدر الخيرية، وهذا
كقوله عليه السلام لمبارزة علي عليه السلام مع عمرو بن عبد ود [العامري ] «أفضل من عمل أمتي إلى يوم القيامة»،
فلم يقل مثل عمله بل قال : أفضل كأنه يقول : حسبك هذا من الوزن والباقي جزاف.