مفاتيح الغيب، ج ٣٢، ص : ٢٣٤
ساجد أو قائم يدعو للمؤمنين والمؤمنات، وجبريل لا يدع أحدا من الناس إلا صافحهم، وعلامة ذلك من اقشعر جلده / ورق قلبه ودمعت عيناه، فإن ذلك من مصافحة جبريل عليه السلام، من قال فيها ثلاث مرات : لا إله إلا اللّه غفر له بواحدة، ونجاه من النار بواحدة، وأدخله الجنة بواحدة، وأول من يصعد جبريل حتى يصير أمام الشمس فيبسط جناحين أخضرين لا ينشرهما إلا تلك الساعة من يوم تلك الليلة ثم يدعو ملكا ملكا، فيصعد الكل ويجتمع نور الملائكة ونور جناح جبريل عليه السلام، فيقيم جبريل ومن معه من الملائكة بين الشمس وسماء الدنيا يومهم ذلك مشغولين بالدعاء والرحمة والاستغفار للمؤمنين، ولمن صام رمضان احتسابا، فإذا أمسوا دخلوا سماء الدنيا فيجلسون حلقا حلقا فتجمع إليهم ملائكة السماء فيسألونهم عن رجل رجل وعن امرأة امرأة، حتى يقولوا : ما فعل فلان وكيف وجدتموه؟ فيقولون : وجدناه عام أول متعبدا، وفي هذا العام مبتدعا، وفلان كان عام أول مبتدعا، وهذا العام متعبدا، فيكفون عن الدعاء للأول، ويشتغلون بالدعاء للثاني، ووجدنا فلانا تاليا، وفلانا راكعا، وفلانا ساجدا، فهم كذلك يومهم وليلتهم حتى يصعدوا السماء الثانية وهكذا يفعلون في كل سماء حتى ينتهوا إلى السدرة فتقول لهم السدرة : يا سكاني حدثوني عن الناس فإن لي عليكم حقا، وإني أحب من أحب اللّه، فذكر كعب أنهم يعدون لها الرجل والمرأة بأسمائهم وأسماء آبائهم، ثم يصل ذلك الخبر إلى الجنة، فتقول الجنة : اللهم عجلهم إلي، والملائكة، وأهل السدرة يقولون : آمين آمين، إذا عرفت هذا فنقول، كلما كان الجمع أعظم، كان نزول الرحمة هناك أكثر، ولذلك فإن أعظم الجموع في موقف الحج، لا جرم كان نزول الرحمة هناك أكثر، فكذا في ليلة القدر يحصل مجمع الملائكة المقربين، فلا جرم كان نزول الرحمة أكثر.
المسألة الثالثة : ذكروا في الروح أقوالا أحدها : أنه ملك عظيم، لو التقم السموات والأرضين كان ذلك له لقمة واحدة وثانيها : طائفة من الملائكة لا تراهم الملائكة إلا ليلة القدر، كالزهاد الذين لا نراهم إلا يوم العيد وثالثها : خلق من خلق اللّه يأكلون ويلبسون ليسوا من الملائكة، ولا من الإنس، ولعلهم خدم أهل الجنة ورابعها : يحتمل أنه عيسى عليه السلام لأنه اسمه، ثم إنه ينزل في مواقفة الملائكة ليطلع على أمة محمد وخامسها : أنه القرآن : وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا [الشورى : ٥٢] وسادسها : الرحمة قرئ : لا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ [يوسف : ٨٧] بالرفع كأنه تعالى يقول : الملائكة ينزلون رحمتي تنزل في أثرهم فيجدون سعادة الدنيا وسعادة الآخرة وسابعها : الروح أشرف الملائكة وثامنها : عن أبي نجيح الروح هم الحفظة والكرام الكاتبون فصاحب اليمين يكتب إتيانه بالواجب، وصاحب الشمال يكتب تركه للقبيح، والأصح أن الروح هاهنا جبريل وتخصيصه بالذكر لزيادة شرفه كأنه تعالى يقول الملائكة في كفة والروح في كفة.
أما قوله تعالى : بِإِذْنِ رَبِّهِمْ [المسألة الأولى ] فقد ذكرنا أن هذا يدل على أنهم كانوا مشتاقين إلينا، فإن / قيل : كيف يرغبون إلينا مع علمهم بكثرة معاصينا؟ قلنا : إنهم لا يقفون على تفصيل المعاصي روي أنهم يطالعون اللوح، فيرون فيه طاعة المكلف مفصلة، فإذا وصلوا إلى معاصيه أرخى الستر فلا ترونها، فحينئذ يقول : سبحان من أظهر الجميل، وستر على القبيح، ثم قد ذكرنا فوائد في نزولهم ونذكر الآن فوائد أخرى وحاصلها أنهم يرون في الأرض من أنواع الطاعات أشياء ما رأوها في عالم السماوات أحدها : أن الأغنياء يجيئون بالطعام من بيوتهم فيجعلونه ضيافة للفقراء والفقراء يأكلون طعام الأغنياء ويعبدون اللّه، وهذا نوع من الطاعة لا يوجد في السموات وثانيها : أنهم يسمعون أنين العصاة وهذا لا يوجد في السماوات وثالثها :
أنه تعالى قال :«لأنين المذنبين أحب


الصفحة التالية
Icon