مفاتيح الغيب، ج ٣٢، ص : ٢٤٨
واعلم أن هذا تنبيه على أن وعيد علماء السوء أعظم من وعيد كل أحد.
السؤال السابع : هذه الآية هل هي مجراة على عمومها؟ الجواب : لا بل هي مخصوصة بصورتين إحداهما : أن من تاب منهم وأسلم خرج عن الوعيد والثانية : قال بعضهم : لا يجوز أن يدخل في الآية من مضى من الكفار، لأن فرعون كان شرا منهم، فأما الآية الثانية وهي الآية الدالة على ثواب المؤمنين فعامة فيمن تقدم وتأخر، لأنهم أفضل الأمم.
[سورة البينة (٩٨) : آية ٧]
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (٧)
فيه مسائل :
المسألة الأولى : الوجه في حسن تقديم الوعيد على الوعد وجوه أحدها : أن الوعيد كالدواء، والوعد كالغذاء، ويجب تقديم الدواء حتى إذا صار البدن نقيا انتفع بالغذاء، فإن البدن غير النقي كلما غذوته زدته شرا، هكذا قاله بقراط في كتاب «الفصول» وثانيها : أن الجلد بعد الدبغ يصير صالحا للمدارس والخف، أما قبله فلا، ولذلك فإن الإنسان متى وقع في محنة أو شدة رجع إلى اللّه، فإذا نال الدنيا أعرض، على ما قال : فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ [العنكبوت : ٦٥] وثالثها : أن فيه بشارة، كأنه تعالى يقول : لما لم يكن بد من الأمرين ختمت بالوعد الذي هو بشارة مني في أني أختم أمرك بالخير، ألست كنت نجسا في مكان نجس، ثم أخرجتك إلى الدنيا طاهرا، أفلا أخرجك إلى الجنة طاهرا!.
المسألة الثانية : احتج من قال : إن الطاعات ليست داخلة في مسمى الإيمان بأن الأعمال الصالحة معطوفة في هذه الآية على الإيمان، والمعطوف غير المعطوف عليه.
المسألة الثالثة : قال : إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ولم يقل : إن المؤمنين إشارة إلى أنهم أقاموا سوق الإسلام حال كساده، وبذلوا الأموال والمهج لأجله، ولهذا السبب استحقوا الفضيلة العظمى كما قال : لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ [الحديد : ١٠] ولفظة : آمَنُوا أي فعلوا الإيمان مرة.
واعلم أن الذين يعتبرون الموافاة يحتجون بهذه الآية، وذلك لأنها تدل على أن من أتى بالإيمان مرة واحدة فله هذا الثواب، والذي يموت على الكفر لا يكون له هذا الثواب، فعلمنا أنه ما صدر الإيمان عنه في الحقيقة قبل ذلك.
المسألة الرابعة : قوله : وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ من مقابلة الجمع بالجمع، فلا يكلف الواحد بجميع الصالحات، بل لكل مكلف حظ فحظ الغني الإعطاء، وحظ الفقير الأخذ.
المسألة الخامسة : احتج بعضهم بهذه الآية في تفضيل البشر على الملك، قالوا :
روى أبو هريرة أنه عليه السلام قال :«أ تعجبون من منزلة الملائكة من اللّه تعالى! والذي نفسي بيده لمنزلة العبد المؤمن عند اللّه يوم القيامة أعظم من ذلك، واقرؤا إن شئتم : إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا / الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ.
واعلم أن هذا الاستدلال ضعيف لوجوه : أحدها : ما روي عن يزيد النحوي أن البرية بنو آدم من البرا وهو التراب فلا يدخل الملك فيه البتة وثانيها : أن قوله : إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ غير مختص بالبشر بل


الصفحة التالية
Icon