مفاتيح الغيب، ج ٣٢، ص : ٢٥٤
حركت حركة شديدة، كما قال : إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا [الواقعة : ٤] وقال قوم : ليس المراد من زلزلت حركت، بل المراد : تحركت واضطربت، والدليل عليه أنه تعالى يخبر عنها في جميع السورة كما يخبر عن المختار القادر، ولأن هذا أدخل في التهويل كأنه تعالى يقول : إن الجماد ليضطرب لأوائل القيامة، أما آن لك أن تضطرب وتتيقظ من غفلتك ويقرب منه : لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ [الحشر : ٢١] واعلم أن زل للحركة المعتادة، وزلزل للحركة الشديدة العظيمة، لما فيه من معنى التكرير، وهو كالصرصر في الريح، ولأجل شدة هذه الحركة وصفها اللّه تعالى بالعظم فقال : إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ [الحج : ١].
المسألة الرابعة : قال مجاهد : المراد من الزلزلة المذكورة في هذه الآية النفخة الأولى كقوله : يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ [النازعات : ٦] أي تزلزل في النفخة الأولى، ثم تزلزل ثانيا فتخرج موتاها وهي الأثقال، وقال آخرون : هذه الزلزلة هي الثانية بدليل أنه تعالى جعل من لوازمها أنها تخرج الأرض أثقالها، وذلك إنما يكون في الزلزلة الثانية.
المسألة الخامسة : في قوله : زِلْزالَها بالإضافة وجوه أحدها : القدر اللائق بها في الحكمة، كقولك :
أكرم التقي إكرامه وأهن الفاسق إهانته، تريد ما يستوجبانه من الإكرام والإهانة والثاني : أن يكون المعنى زلزالها كله وجميع ما هو ممكن منه، والمعنى أنه وجد من الزلزلة كل ما يحتمله المحل والثالث : زلزالها الموعود أو المكتوب عليها إذا قدرت تقدير الحي، تقريره ما روى أنها تزلزل من شدة صوت إسرافيل لما أنها قدرت تقدير الحي. أما قوله :
[سورة الزلزلة (٩٩) : آية ٢]
وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها (٢)
ففيه مسألتان :
المسألة الأولى : في الأثقال قولان : أحدهما : أنه جمع ثقل وهو متاع البيت : وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ [النحل : ٧] جعل ما في جوفها من الدفائن أثقالا لها، قال أبو عبيدة والأخفش : إذا كان الميت في بطن الأرض فهو ثقل لها، وإذا كان فوقها فهو ثقل عليها، وقيل : سمي الجن والإنس بالثقلين لأن الأرض تثقل بهم إذا كانوا في بطنها ويثقلون عليها إذا كانوا فوقها، ثم قال : المراد من هذه الزلزلة الزلزلة الأولى يقول :
أخرجت الأرض أثقالها، يعني الكنوز فيمتلئ ظهر الأرض ذهبا ولا أحد يلتفت إليه، كأن الذهب يصيح ويقول : أما كنت تخرب دينك ودنياك لأجلي! أو تكون الفائدة في إخراجها كما قال تعالى : يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ [التوبة : ٣٥] ومن قال : المراد من هذه الزلزلة الثانية وهي بعد القيامة قال : تخرج الأثقال يعني الموتى أحياء كالأم تلده حيا، وقيل : تلفظه الأرض ميتا، كما دفن ثم يحييه اللّه تعالى والقول الثاني : أثقالها : أسرارها فيومئذ تكشف الأسرار، ولذلك قال : يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها فتشهد لك او عليك.
المسألة الثانية : أنه تعالى قال في صفة الأرض : أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً [المرسلات : ٢٥] ثم صارت بحال ترميك وهو تقرير لقوله : تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ
[الحج : ٢] وقوله : يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ [عبس : ٣٤] أما قوله تعالى :


الصفحة التالية
Icon