مفاتيح الغيب، ج ٣٢، ص : ٢٦١
لَيْلَةِ الْقَدْرِ
[القدر : ١] وثانيها : أنه عائد إلى ذلك الزمان الذي وقعت فيه الإغارة، أي فأثرن في ذلك الوقت نقعا وثالثها : وهو قول الكسائي أنه عائد إلى العدو، أي فأثرن بالعدو نقعا، وقد تقدم ذكر العدو في قوله :
وَالْعادِياتِ.
المسألة الثالثة : فإن قيل : على أي شيء عطف قوله : فَأَثَرْنَ قلنا : على الفعل الذي وضع اسم الفاعل موضعه، والتقدير واللائي عدون فأورين، وأغرن فأثرن.
المسألة الرابعة : قرأ أبو حيوة : فَأَثَرْنَ بالتشديد بمعنى فأظهرن به غبارا، لأن التأثير فيه معنى الإظهار، أو قلب ثورن إلى وثرن وقلب الواو همزة. أما قوله تعالى :
[سورة العاديات (١٠٠) : آية ٥]
فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً (٥)
ففيه مسألتان :
المسألة الأولى : قال الليث : وسطت النهر والمفازة أسطها وسطا وسطة، أي صرت في وسطها، وكذلك وسطتها وتوسطتها، ونحو هذا، قال الفراء : والضمير في قوله : بِهِ إلى ماذا يرجع فيه؟ وجوه أحدها : قال مقاتل : أي بالعدو، وذلك أن العاديات تدل على العدو، فجازت الكناية عنه، وقوله : جَمْعاً يعني جمع العدو، والمعنى صرن بعدوهن وسط جمع العدو، ومن حمل الآيات على الإبل، قال : يعني جمع منى وثانيها :
أن الضمير عائد إلى النقع أي : وسطن بالنقع الجمع وثالثها : المراد أن العاديات وسطن ملبسا بالنقع جمعا من جموع الأعداء.
المسألة الثانية : قرئ : فَوَسَطْنَ بالتشديد للتعدية، والباء مزيدة للتوكيد كقوله : وَأُتُوا بِهِ [البقرة : ٢٥] وهي مبالغة في وسطن، واعلم أن الناس أكثروا في صفة الفرس، وهذا القدر الذي ذكره اللّه أحسن، وقال عليه الصلاة والسلام :«الخيل معقود بنواصيها الخير»، وقال أيضا :«ظهرها حرز / وبطنها كنز»
واعلم أنه تعالى لما ذكر المقسم به، ذكر المقسم عليه وهو أمور ثلاثة : أحدها : قوله :
[سورة العاديات (١٠٠) : آية ٦]
إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (٦)
قال الواحدي : أصل الكنود منع الحق والخير والكنود الذي يمنع ما عليه، والأرض الكنود هي التي لا تنبت شيئا ثم للمفسرين عبارات، فقال ابن عباس ومجاهد وعكرمة والضحاك وقتادة : الكنود هو الكفور قالوا : ومنه سمي الرجل المشهور كندة لأنه كند أباه ففارقه، وعن الكلبي الكنود بلسان كندة العاصي وبلسان بني مالك البخيل، وبلسان مضر وربيعة الكفور، وروى أبو أمامة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أن الكنود هو الكفور الذي يمنع رفده، ويأكل وحده، ويضرب عبده،
وقال الحسن : الكنود اللوام لربه يعد المحن والمصائب، وينسى النعم والراحات، وهو كقوله : وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ [الفجر : ١٦].
واعلم أن معنى الكنود لا يخرج عن أن يكون كفرا أو فسقا، وكيفما كان فلا يمكن حمله على كل الناس، فلا بد من صرفه إلى كافر معين، أو إن حملناه على الكل كان المعنى أن طبع الإنسان يحمله على ذلك إلا إذا


الصفحة التالية
Icon