مفاتيح الغيب، ج ٣٢، ص : ٢٦٢
عصمه اللّه بلطفه وتوفيقيه من ذلك، والأول قول الأكثرين قالوا : لأن ابن عباس قال : إنها نزلت في قرط بن عبد اللّه بن عمرو بن نوفل القرشي، وأيضا فقوله : أَفَلا يَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ [العاديات : ٩] لا يليق إلا بالكافر، لأن ذلك كالدلالة على أنه منكر لذلك الأمر.
الثاني : من الأمور التي أقسم اللّه عليها قوله :
[سورة العاديات (١٠٠) : آية ٧]
وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ (٧)
وفيه قولان : أحدهما : أن الإنسان على ذلك أي على كنوده لشهيد يشهد على نفسه بذلك، إما لأنه أمر ظاهر لا يمكنه أن يجحده، أو لأنه يشهد على نفسه بذلك في الآخرة ويعترف بذنوبه القول الثاني : المراد وإن اللّه على ذلك لشهيد قالوا : وهذا أولى لأن الضمير عائد إلى أقرب المذكورات والأقرب هاهنا هو لفظ الرب تعالى ويكون ذلك كالوعيد والزجر له عين المعاصي من حيث إنه يحصى عليه أعماله، وأما الناصرون للقول الأول فقالوا : إن قوله بعد ذلك : وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ الضمير فيه عائد إلى الإنسان، فيجب أن يكون الضمير في الآية التي قبله عائدا إلى الإنسان ليكون النظم أحسن.
الأمر الثالث : مما أقسم اللّه عليه قوله :
[سورة العاديات (١٠٠) : آية ٨]
وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (٨)
الخير المال من قوله تعالى : إِنْ تَرَكَ خَيْراً [البقرة : ١٨٠] وقوله : وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً [المعارج : ٢١] وهذا لأن الناس يعدون المال فيما بينهم خيرا كما أنه تعالى سمى ما ينال المجاهد من الجراح وأذى الحرب سوءا في قوله : لَمْ يَمْسَسْهُمْ / سُوءٌ [آل عمران : ١٧٤] والشديد البخيل الممسك، يقال :
فلان شديدة ومتشدد، قال طرفة :
أرى الموت يعتام الكرام ويصطفي عقيلة مال الفاحش المتشدد
ثم في التفسير وجوه أحدها : أنه لأجل حب المال لبخيل ممسك وثانيها : أن يكون المراد من الشديدة القرى، ويكون المعنى وإنه لحب المال وإيثار الدنيا وطلبها قوي مطيق، وهو لحب عبادة اللّه وشكر نعمه ضعيف، تقول : هو شديد لهذا الأمر وقوي له، وإذا كان مطيقا له ضابطا وثالثها : أراد إنه لحب الخيرات غير هني منبسط ولكنه شديد منقبض ورابعها : قال الفراء : يجوز أن يكون المعنى وإنه لحب الخير لشديد الحب يعني أنه يحب المال، ويحب كونه محبا له، إلا أنه اكتفى بالحب الأول عن الثاني، كما قال : اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ [إبراهيم : ١٨] أي في يوم عاصف الريح فاكتفى بالأولى عن الثانية وخامسها : قال قطرب : أي إنه شديد حب الخير، كقولك إنه لزيد ضروب أي أنه ضروب زيد. واعلم أنه تعالى لما عد عليه قبائح أفعاله خوفه فقال :
[سورة العاديات (١٠٠) : آية ٩]
أَفَلا يَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ (٩)


الصفحة التالية
Icon