مفاتيح الغيب، ج ٧، ص : ١٥٧
قلنا : نحمل الرؤية على الظن والحسبان، وذلك لأن من اشتد خوفه قد يظن في الجمع القليل أنهم في غاية الكثرة، وإما أن نقول إن اللّه تعالى أنزل الملائكة حتى صار عسكر المسلمين كثيرين والجواب الأول أقرب، لأن الكلام مقتصر على الفئتين ولم يدخل فيهما قصة الملائكة.
والوجه الرابع : في بيان كون هذه القصة آية، قال الحسن : إن اللّه تعالى أمد رسوله صلى اللّه عليه وسلم في تلك الغزوة بخمسة آلاف من الملائكة لأنه قال : فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ [الأنفال : ٩] وقال : بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ [آل عمران : ١٢٥] والألف مع الأربعة آلاف : خمسة آلاف من الملائكة وكان سيماهم هو أنه كان على أذناب خيولهم ونواصيها صوف أبيض، وهو المراد بقوله وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ واللّه أعلم.
ثم قال اللّه تعالى : فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : القراءة المشهورة فِئَةٌ بالرفع، وكذا قوله وَأُخْرى كافِرَةٌ وقرئ فئة فقاتل وأخرى كافرة بالجر على البدل من فئتين، وقرئ بالنصب إما على الاختصاص، أو على الحال من الضمير في التقتا، قال الواحدي رحمه اللّه : والرفع هو الوجه لأن المعنى إحداهما تقاتل في سبيل اللّه فهو رفع على استئناف الكلام.
المسألة الثانية : المراد بالفئة التي تقاتل في سبيل اللّه هم المسلمون، لأنهم قاتلوا لنصرة دين اللّه.
وقوله وَأُخْرى كافِرَةٌ المراد بها كفار قريش.
ثم قال تعالى : يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : قرأ نافع وأبان عن عاصم تَرَوْنَهُمْ بالتاء المنقطة من فوق، والباقون بالياء فمن قرأ بالتاء فلأن ما قبله خطاب لليهود، والمعنى ترون أيها اليهود المسلمين مثلي ما كانوا، أو مثلي / الفئة الكافرة، أو تكون الآية خطاباً مع مشركي قريش والمعنى : ترون يا مشركي قريش المسلمون مثلي فئتكم الكافرة، ومن قرأ بالياء فللمغالبة التي جاءت بعد الخطاب، وهو قوله فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ فقوله يَرَوْنَهُمْ يعود إلى الإخبار عن إحدى الفئتين.
المسألة الثانية : اعلم أنه قد تقدم في هذه الآية ذكر الفئة الكافرة وذكر الفئة المسلمة فقوله يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ يحتمل أن يكون الراؤن هم الفئة الكافرة، والمرئيون هم الفئة المسلمة، ويحتمل أن يكون بالعكس من ذلك فهذان احتمالان، وأيضاً فقوله مِثْلَيْهِمْ يحتمل أن يكون المراد مثلي الرائين وأن يكون المراد مثلي المرئين فإذن هذه الآية تحتمل وجوهاً أربعة الأول : أن يكون المراد أن الفئة الكافرة رأت المسلمين مثلي عدد المشركين قريباً من ألفين.
والاحتمال الثاني : أن الفئة الكافرة رأت المسلمين مثلي عدد المسلمين ستمائة ونيّفاً وعشرين، والحكمة في ذلك أنه تعالى كثر المسلمين في أعين المشركين مع قلتهم ليهابوهم فيحترزوا عن قتالهم.
فإن قيل : هذا متناقض لقوله تعالى في سورة الأنفال وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ [الأنفال : ٤٤].


الصفحة التالية
Icon