مفاتيح الغيب، ج ٧، ص : ١٥٩
لا تساعد إلا على كون الرائي مشركاً الثالث : أن اللّه تعالى جعل هذه الحالة آية الكفار، حيث قال : قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا فوجب أن تكون هذه الحالة مما يشاهدها الكافر حتى تكون حجة عليه، أما لو كانت هذه الحالة حاصلة للمؤمن لم يصح جعلها حجة الكافر واللّه أعلم.
واحتج من قال : الراؤن هم المسلمون، وذلك لأن الرائين لو كانوا هم المشركين لزم رؤية ما ليس بموجود وهو محال، ولو كان الراؤن هم المؤمنون لزم أن لا يرى ما هو موجود وهذا ليس بمحال، وكان ذلك أولى واللّه أعلم.
ثم قال : رَأْيَ الْعَيْنِ يقال : رأيته رأياً ورؤية، ورأيت في المنام رؤيا حسنة، فالرؤية مختص بالمنام، ويقول : هو مني مرأى العين حيث يقع عليه بصري، فقوله رَأْيَ الْعَيْنِ يجوز أن ينتصب على المصدر، ويجوز أن يكون ظرفا للمكان، كما تقول : ترونهم أمامكم، ومثله : هو مني مناط العنق ومزجر الكلب.
ثم قال : وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ نصر اللّه المسلمين على وجهين : نصر بالغلبة كنصر يوم بدر، ونصر بالحجة، فلهذا المعنى لو قدرنا أنه هزم قوم من المؤمنين لجاز أن يقال : هم المنصورون لأنهم هم المنصورون بالحجة، وبالعاقبة الحميدة، والمقصود من الآية أن النصر والظفر إنما يحصلان / بتأييد اللّه ونصره، لا بكثرة العدد والشوكة والسلاح.
ثم قال : إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً والعبرة الاعتبار وهي الآية التي يعبر بها من منزلة الجهل إلى العلم وأصله من العبور وهو النفوذ من أحد الجانبين إلى الآخر، ومنه العبارة وهي كلام الذي يعبر بالمعنى إلى المخاطب، وعبارة الرؤيا من ذلك، لأنها تعبير لها، وقوله لِأُولِي الْأَبْصارِ أي لأولي العقول، كما يقال : لفلان بصر بهذا الأمر، أي علم ومعرفة، واللّه أعلم.
[سورة آل عمران (٣) : آية ١٤]
زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (١٤)
[في قوله تعالى زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ ] في الآية مسائل :
المسألة الأولى : في كيفية النظم قولان الأول : ما يتعلق بالقصة فإنا روينا أن أبا حارثة بن علقمة النصراني اعترف لأخيه بأنه يعرف صدق محمد صلى اللّه عليه وسلم في قوله إلا أنه لا يقر بذلك خوفاً من أن يأخذ منه ملوك الروم المال والجاه، وأيضاً روينا أنه عليه الصلاة والسلام لما دعا اليهود إلى الإسلام بعد غزوة بدر أظهروا من أنفسهم القوة والشدة والاستظهار بالمال والسلاح، فبيّن اللّه تعالى في هذه الآية أن هذه الأشياء وغيرها من متاع الدنيا زائلة باطلة، وأن الآخرة خير وأبقى.
القول الثاني : وهو على التأويل العام أنه تعالى لما قال في الآية المتقدمة وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ ذكر بعد هذه الآية ما هو كالشرح والبيان لتلك العبرة وذلك هو أنه تعالى بيّن أنه زين للناس حب الشهوات الجسمانية، واللذات الدنيوية، ثم أنها فانية منقضية تذهب لذاتها، وتبقى تبعاتها، ثم


الصفحة التالية
Icon