مفاتيح الغيب، ج ٧، ص : ١٧٣
مصدراً، والفرق بين المفعول له وبين المصدر أن المفعول له غرض للفعل، وأما المصدر فهو المفعول المطلق الذي أحدثه الفاعل.
المسألة الرابعة : قال الأخفش قوله بَغْياً بَيْنَهُمْ من صلة قوله اخْتَلَفَ والمعنى : وما اختلفوا بغياً بينهم إلا من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم، وقال غيره : المعنى وما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم إلا للبغي بينهم، فيكون هذا إخباراً عن أنهم إنما اختلفوا للبغي، وقال القفال : وهذا أجود من الأول، لأن الأول :
يوهم أنهم اختلفوا بسبب ما جاءهم من العلم، والثاني : يفيد أنهم إنما اختلفوا لأجل الحسد والبغي.
ثم قال تعالى : وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ وهذا تهديد، وفيه وجهان : الأول : المعنى فإنه سيصير إلى اللّه تعالى سريعاً فيحاسبه أي يجزيه على كفره والثاني : أن اللّه / تعالى سيعلمه بأعماله ومعاصيه وأنواع كفره بإحصاء سريع مع كثرة الأعمال.
[سورة آل عمران (٣) : آية ٢٠]
فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (٢٠)
اعلم أنه تعالى لما ذكر من قبل أن أهل الكتاب اختلفوا من بعد ما جاءهم العلم، وأنهم أصروا على الكفر مع ذلك بيّن اللّه تعالى للرسول صلى اللّه عليه وسلم ما يقوله في محاجتهم، فقال : فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وفي كيفية إيراد هذا الكلام طريقان :
الطريق الأول : أن هذا إعراض عن المحاجة، وذلك لأنه صلى اللّه عليه وسلم كان قد أظهر لهم الحجة على صدقه قبل نزول هذه الآية مراراً وأطواراً، فإن هذه السورة مدنية، وكان قد أظهر لهم المعجزات بالقرآن، ودعاء الشجرة وكلام الذئب وغيرها، وأيضا قد ذكر قبل هذه الآية آيات دالة على صحة دينه، فأولها : أنه تعالى ذكر الحجة بقوله الْحَيُّ الْقَيُّومُ على فساد قول النصارى في إلهية عيسى عليه السلام وبقوله نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ [آل عمران : ٣] على صحة النبوّة، وذكر شبه القوم، وأجاب عنها بأسرها على ما قررناه فيما تقدم، ثم ذكر لهم معجزة أخرى، وهي المعجزات التي شاهدوها يوم بدر على ما بيناه في تفسير قوله تعالى : قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا [آل عمران : ١٣] ثم بيّن صحة القول بالتوحيد، ونفي الضد والند والصاحبة والولد بقوله شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ [آل عمران : ١٨] ثم بيّن تعالى أن ذهاب هؤلاء اليهود والنصارى عن الحق، واختلافهم في الدين، إنما كان لأجل البغي والحسد، وذلك ما يحملهم على الانقياد للحق والتأمل في الدلائل لو كانوا مخلصين، فظهر أنه لم يبق من أسباب إقامة الحجة على فرق الكفار شيء إلا وقد حصل، فبعد هذا قال : فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ يعني إنا بالغنا في تقرير الدلائل، وإيضاح البينات، فإن تركتم الأنف والحسد، وتمسكتم بها كنتم أنتم المهتدين، وإن أعرضتم فإن اللّه تعالى من وراء مجازاتكم، وهذا التأويل طريق معتاد في الكلام، فإن المحق إذا ابتلى بالمبطل اللجوج، وأورد عليه الحجة حالا بعد حال، فقد يقول في آخر الأمر : أما أنا ومن اتبعني فمنقادون للحق، مستسلمون له، / مقبلون على عبودية اللّه تعالى، فإن وافقتم واتبعتم الحق الذي أنا عليه بعد هذه الدلائل التي ذكرتها فقد اهتديتم، وإن أعرضتم فإن
اللّه بالمرصاد، فهذا الطريق قد يذكره المحتج المحق مع المبطل المصر في آخر كلامه.


الصفحة التالية
Icon