مفاتيح الغيب، ج ٩، ص : ٤٨١
كأنه قيل : انه رباك وأحسن إليك فاتق مخالفته لأنه شديد العقاب عظيم السطوة.
المسألة الرابعة : اعلم أن التساؤل باللّه وبالأرحام قيل هو مثل أن يقال : باللّه أسألك، وباللّه أشفع إليك، وباللّه أحلف عليك، إلى غير ذلك مما يؤكد المرء به مراده بمسألة الغير، ويستعطف ذلك الغير في التماس حقه منه أو نواله ومعونته ونصرته، وأما قراءة حمزة فهي ظاهرة من حيث المعنى، والتقدير : واتقوا اللّه الذي تساءلون به والأرحام، لأن العادة جرت في العرب بأن أحدهم قد يستعطف غيره بالرحم فيقول : أسألك باللّه والرحم، وربما أفرد ذلك فقال : أسألك بالرحم، وكان يكتب المشركون إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : نناشدك اللّه والرحم أن لا تبعث إلينا فلانا وفلانا، وأما القراءة بالنصب فالمعنى يرجع إلى ذلك، والتقدير : واتقوا اللّه واتقوا الأرحام، قال القاضي : وهذا أحد ما يدل على أنه قد يراد باللفظ الواحد المعاني المختلفة، لأن معنى تقوى اللّه مخالف لمعنى تقوى الأرحام، فتقوى اللّه إنما يكون بالتزام طاعته واجتناب معاصيه، واتقاء الأرحام بأن توصل ولا تقطع فيما يتصل بالبر والإفضال والإحسان، ويمكن أن يجاب عنه بأنه تعالى لعله تكلم بهذه اللفظة مرتين، وعلى هذا التقدير يزول الأشكال.
المسألة الخامسة : قال بعضهم : اسم الرحم مشتق من الرحمة التي هي النعمة، واحتج بما
روي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال :«يقول اللّه تعالى أنا الرحمن وهي الرحم اشتققت اسمها من اسمي»
ووجه التشبيه ان لمكان هذه الحالة تقع الرحمة من بعض الناس لبعض. وقال آخرون : بل اسم الرحم مشتق من الرحم الذي عنده يقع الانعام وانه الأصل، وقال بعضهم : بل كل واحد منهما أصل بنفسه، والنزاع في مثل هذا قريب.
المسألة السادسة : دلت الآية على جواز المسألة باللّه تعالى.
روى مجاهد عن عمر قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم :«من سألكم باللّه فأعطوه»
وعن البراء بن عازب قال : أمرنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بسبع : منها ابرار القسم.
المسألة السابعة : دل قوله تعالى : وَالْأَرْحامَ على تعظيم حق الرحم وتأكيد النهي عن قطعها، قال / تعالى : فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ [محمد : ٢٢] وقال : لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلا ذِمَّةً قيل في الأول : إنه القرابة، وقال : وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً [الإسراء : ٢٣] وقال : وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَبِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ [النساء : ٣٦] وعن عبد الرحمن بن عوف : أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال :«يقول اللّه تعالى أنا الرحمن وهي الرحم اشتققت اسمها من اسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته»
وعن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم «ما من شيء أطيع اللّه فيه أعجل ثوابا من صلة الرحم وما من عمل عصي اللّه به أعجل عقوبة من البغي واليمين الفاجرة»
وعن أنس قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم :«ان الصدقة وصلة الرحم يزيد اللّه بهما في العمر ويدفع بهما ميتة السوء ويدفع اللّه بهما المحذور والمكروه»
وقال عليه الصلاة والسلام :«أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح»
قيل الكاشح العدو، فثبت بدلالة الكتاب والسنة وجوب صلة الرحم واستحقاق الثواب بها، ثم إن أصحاب أبي حنيفة رضي اللّه عنه بنوا على هذا الأصل مسألتين : إحداهما : أن الرجل إذا ملك ذا رحم محرم عتق عليه مثل الأخ والاخت، والعم والخال، قال لأنه لو بقي الملك لحل الاستخدام بالإجماع، لكن الاستخدام إيحاش يورث قطيعة الرحم، وذلك حرام بناء على هذا الأصل، فوجب أن لا يبقى الملك، وثانيهما : أن الهبة لذي الرحم المحرم لا يجوز الرجوع فيها لان ذلك الرجوع إيحاش يورث قطيعة الرحم، فوجب أن لا يجوز، والكلام في هاتين المسألتين مذكور في الخلافيات.


الصفحة التالية
Icon