مفاتيح الغيب، ج ٩، ص : ٤٨٩
المسألة الأولى : المعنى : فان خفتم أن لا تعدلوا بين هذه الأعداد كما خفتم ترك العدل فيما فوقها، فاكتفوا بزوجة واحدة أو بالمملوكة، سوى في السهولة واليسر بين الحرة الواحدة وبين الإماء من غير حصر، ولعمري إنهن أقل تبعة وأخف مؤنة من المهائر، لا عليك أكثرت منهن أم أقللت، عدلت بينهن في القسم أم لم تعدل، عزلت عنهن أم لم تعزل.
المسألة الثانية : قرئ فَواحِدَةً بنصب التاء والمعنى : فالتزموا أو فاختاروا واحدة وذروا الجمع رأسا، فان الأمر كله يدور مع العدل، فأينما وجدتم العدل فعليكم به، وقرئ فَواحِدَةً بالرفع والتقدير : فكفت واحدة، أو فحسبكم واحدة أو ما ملكت أيمانكم.
المسألة الثالثة : للشافعي رحمة اللّه أن يحتج بهذه الآية في بيان الاشتغال بنوافل العبادات أفضل من النكاح، وذلك لأن اللّه تعالى خير في هذه الآية بين التزوج بالواحدة وبين التسري، والتخيير بين الشيئين مشعر بالمساواة بينهما في الحكمة المطلوبة، كما إذا قال الطبيب : كل التفاح أو الرمان، فان ذلك يشعر بكون كل واحد منهما قائما مقام الآخر في تمام الغرض، وكما أن الآية دلت على هذه التسوية، فكذلك العقل يدل عليها، لأن المقصود هو السكن والازدواج وتحصين الدين ومصالح البيت، وكل ذلك حاصل بالطريقين، وأيضاً إن فرضنا الكلام فيما إذا كانت المرأة مملوكة ثم أعتقها وتزوج بها، فههنا يظهر جدا حصول الاستواء بين التزوج وبين التسري، وإذا ثبت بهذه الآية ان التزوج والتسري متساويان. فنقول : أجمعنا على أن الاشتغال بالنوافل أفضل من التسري فوجب أن يكون أفضل من النكاح لان الزائد على أحد المتساويين يكون زائد على المساوي الثاني لا محالة.
ثم قال تعالى : ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا وفيه مسألتان.
المسألة الأولى : المراد من الأدنى هاهنا الأقرب، والتقدير : ذلك أقرب من أن لا تعولوا وحسن حذف «من» لدلالة الكلام عليه.
المسألة الثانية : في تفسير أَلَّا تَعُولُوا وجوه : الأول : معناه : لا تجوروا ولا تميلوا، / وهذا هو المختار عند أكثر المفسرين، وروي ذلك مرفوعا،
روت عائشة رضي اللّه عنها عن النبي صلى اللّه عليه وسلم في قوله : ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا قال :(لا تجوروا) وفي رواية أخرى «أن لا تميلوا»
قال الواحدي رحمه اللّه : كلا اللفظين مروي، وأصل العول الميل يقال : عال الميزان عولا، إذا مال، وعال الحاكم في حكمه إذا جار، لأنه إذا جار فقد مال. وأنشدوا لأبي طالب.
بميزان قسط لا يغل شعيرة ووزان صدق وزنه غير عائل
وروي أن أعرابيا حكم عليه حاكم، فقال له : أتعول علي، ويقال : عالت الفريضة إذا زادت سهامها، وقد أعلتها أنا إذا زدت في سهامها، ومعلوم أنها إذا زادت سهامها فقد مالت عن الاعتدال فدلت هذه الاشتقاقات على أن أصل هذا اللفظ الميل، ثم اختص بحسب العرف بالميل إلى الجور والظلم. فهذا هو الكلام في تقرير هذا الوجه الذي ذهب اليه الأكثرون.
الوجه الثاني : قال بعضهم : المراد أن لا تفتقروا، يقال : رجل عائل أي فقير، وذلك لأنه إذا قل عياله قلت نفقاته، وإذا قلت نفقاته لم يفتقر.


الصفحة التالية
Icon