مفاتيح الغيب، ج ٩، ص : ٤٩٥
مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ
[النساء : ٣٦] وقوله : فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ وقوله : ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ [البقرة :
٨٥] ومعلوم أن الرجل منهم ما كان يقتل نفسه، ولكن كان بعضهم يقتل بعضا، وكان الكل من نوع واحد، فكذا هاهنا المال شيء ينتفع به نوع الإنسان ويحتاج اليه. فلأجل هذه الوحدة النوعية حسنت إضافة أموال السفهاء إلى أوليائهم.
والقول الثاني : أن هذه الآية خطاب الآباء فنهاهم اللّه تعالى إذا كان أولادهم سفهاء لا يستقلون بحفظ المال وإصلاحه أن يدفعوا أموالهم أو بعضها إليهم، لما كان في ذلك من الإفساد، فعلى هذا الوجه يكون إضافة الأموال إليهم حقيقة، وعلى هذا القول يكون الغرض من الآية الحث على حفظ المال والسعي في أن لا يضيع ولا يهلك، وذلك يدل على أنه ليس له أن يأكل جميع أمواله ويهلكها، وإذا قرب أجله فانه يجب عليه أن يوصي بماله إلى أمين يحفظ ذلك المال على ورثته، وقد ذكرنا أن القول الأول أرجح لوجهين، ومما يدل على هذا الترجيح أن ظاهر النهي للتحريم، وأجمعت الأمة على أنه لا يحرم عليه أن يهب من أولاده الصغار ومن النسوان ما شاء من ماله، وأجمعوا على أنه يحرم على الولي أن يدفع إلى السفهاء أموالهم، وإذا كان كذلك وجب حمل الآية على القول الأول لا على هذا القول الثاني واللّه أعلم. الثاني : أنه قال في آخر الآية : وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً ولا شك أن هذه الوصية بالأيتام أشبه، لان المرء مشفق بطبعه على ولده، فلا يقول له إلا المعروف، وإنما يحتاج إلى هذه الوصية مع الأيتام الأجانب، ولا يمتنع أيضا حمل الآية على كلا الوجهين. قال القاضي :
هذا بعيد لأنه يقتضي حمل قوله : أَمْوالَكُمُ على الحقيقة والمجاز جميعا، ويمكن أن يجاب عنه بأن قوله :
أَمْوالَكُمُ يفيد كون تلك الأموال مختصة بهم اختصاصا يمكنه التصرف فيها، ثم إن هذا الاختصاص حاصل في المال الذي يكون مملوكا له، وفي المال الذي يكون مملوكا للصبي، إلا أنه يجب تصرفه، فهذا التفاوت واقع في مفهوم خارج من المفهوم المستفاد من قوله :/ أَمْوالَكُمُ وإذا كان كذلك لم يبعد حمل اللفظ عليهما من حيث ان اللفظ أفاد معنى واحدا مشتركا بينهما.
المسألة الثانية : ذكروا في المراد بالسفهاء أوجها : الأول : قال مجاهد وجويبر عن الضحاك السفهاء هاهنا النساء سواء كن أزواجا أو أمهات أو بنات. وهذا مذهب ابن عمر، ويدل على هذا ما
روى أبو أمامة أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال :«ألا انما خلقت النار للسفهاء يقولها ثلاثا ألا وإن السفهاء النساء الا امرأة أطاعت قيمها».
فان قيل : لو كان المراد بالسفهاء النساء لقال : السفائه أو السفيهات في جمع السفيهة نحو غرائب وغريبات في جمع الغريبة.
أجاب الزجاج : بأن السفهاء في جمع السفيهة جائز كما أن الفقراء في جمع الفقيرة جائز.
والقول الثاني : قال الزهري وابن زيد : عنى بالسفهاء هاهنا السفهاء من الأولاد، يقول : لا تعط مالك الذي هو قيامك، ولدك السفيه فيفسده.
القول الثالث : المراد بالسفهاء هم النساء والصبيان في قول ابن عباس والحسن وقتادة وسعيد بن جبير، قالوا إذا علم الرجل أن امرأته سفيهة مفسدة، وان ولده سفيه مفسد فلا ينبغي له أن يسلط واحدا منهما على ماله فيفسده.
والقول الرابع : أن المراد بالسفهاء كل من لم يكن له عقل يفي بحفظ المال، ويدخل فيه النساء والصبيان والأيتام وكل من كان موصوفاً بهذه الصدفة، وهذا القول أولى لان التخصيص بغير دليل لا يجوز، وقد ذكرنا في


الصفحة التالية
Icon