مفاتيح الغيب، ج ٩، ص : ٥١١
لأنهما أقرب إلى الميت من الأختين، ولما كان نصيب البنات الكثيرة لا يزداد على الثلثين وجب أن لا يزداد نصيب الأخوات الكثيرة على ذلك، لأن البنت لما كانت أشد اتصالًا بالميت امتنع جعل الأضعف زائداً على الأقوى، فهذا مجموع الوجوه المذكورة في هذا الباب، فالوجوه الثلاثة الأول مستنبطة من الآية، والرابع : مأخوذ من السنة، والخامس : من القياس الجلي.
أما القسم الثالث : وهو إذا مات وخلف الأولاد الذكور فقط فنقول : أما الابن الواحد فانه إذا انفرد أخذ كل المال، وبيانه من وجوه : الأول : من دلالة قوله تعالى : فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ [النساء : ١٧٦] فإن هذا يدل على أن نصيب الذكر مثل نصيب الأنثيين.
ثم قال تعالى في البنات : وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ فلزم من مجموع هاتين الآيتين ان نصيب الابن المفرد جميع المال. الثاني : أنا نستفيد ذلك من السنة وهي
قوله عليه الصلاة والسلام :«ما أبقت السهام فلا ولى عصبة ذكر»
ولا نزاع ان الابن عصبة ذكر، ولما كان الابن آخذاً لكل ما بقي بعد السهام وجب فيما إذا لم يكن سهام أن يأخذ الكل. الثالث : ان أقرب العصبات إلى الميت هو الابن، وليس له بالإجماع قدر معين من الميراث، فإذا لم يكن معه صاحب فرض لم يكن له ان يأخذ قدرا أولى منه بأن يأخذ الزائد، فوجب أن يأخذ الكل.
فان قيل : حظ الأنثيين هو الثلثان فقوله : لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يقتضي أن يكون حظ / الذكر مطلقا هو الثلث، وذلك ينفي أن يأخذ كل المال.
قلنا : المراد منه حال الاجتماع لا حال الانفراد، ويدل عليه وجهان : أحدهما : ان قوله : يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ يقتضي حصول الأولاد، وقوله : لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يقتضي حصول الذكر والأنثى هناك.
والثاني : أنه تعالى ذكر عقيبه حال الانفراد، هذا كله إذا مات وخلف ابنا واحدا فقط، أما إذا مات وخلف أبناء كانوا متشاركين في جهة الاستحقاق ولا رجحان، فوجب قسمة المال بينهم بالسوية واللّه أعلم. بقي في الآية سؤالان :
السؤال الأول : لا شك أن المرأة أعجز من الرجل لوجوه : أما أولا فلعجزها عن الخروج والبروز، فان زوجها وأقاربها يمنعونها من ذلك. وأما ثانيا : فلنقصان عقلها وكثرة اختداعها واغترارها. وأما ثالثا : فلأنها متى خالطت الرجال صارت متهمة، وإذا ثبت أن عجزها أكمل وجب أن يكون نصيبها من الميراث أكثر، فان لم يكن أكثر فلا أقل من المساواة، فما الحكمة في أنه تعالى جعل نصيبها نصف نصيب الرجل.
والجواب عنه من وجوه : الأول : أن خروج المرأة أقل، لأن زوجها ينفق عليها، وخرج الرجل أكثر لأنه هو المنفق على زوجته، ومن كان خروجه أكثر فهو إلى المال أحوج. الثاني : أن الرجل أكمل حالا من المرأة في الخلقة وفي العقل وفي المناصب الدينية، مثل صلاحية القضاء والامامة، وأيضا شهادة المرأة نصف شهادة الرجل، ومن كان كذلك وجب أن يكون الانعام عليه أزيد. الثالث : ان المرأة قليلة العقل كثيرة الشهوة، فإذا انضاف إليها المال الكثير عظم الفساد قال الشاعر :
إن الفراغ والشباب والجده مفسدة للمرء أي مفسده
وقال تعالى : إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى [العلق : ٦، ٧] وحال الرجل بخلاف ذلك.
والرابع : أن الرجل لكمال عقله يصرف المال إلى ما يفيده الثناء الجميل في الدنيا والثواب الجزيل في الآخرة،


الصفحة التالية
Icon