مفاتيح الغيب، ج ٩، ص : ٥١٢
نحو بناء الرباطات، وإعانة الملهوفين والنفقة على الأيتام والأرامل، وإنما يقدر الرجل على ذلك لأنه يخالط الناس كثيرا، والمرأة تقل مخالطتها مع الناس فلا تقدر على ذلك. الخامس :
روي أن جعفر الصادق سئل عن هذه المسألة فقال : إن حواء أخذت حفنة من الحنطة وأكلتها، وأخذت حفنة أخرى وخبأتها، ثم أخذت حفنة أخرى ودفعتها إلى آدم، فلما جعلت نصيب نفسها ضعف نصيب الرجل قلب اللّه الأمر عليها، فجل نصيب المرأة نصف نصيب الرجل.
السؤال الثاني : لم لم يقل : للأنثيين مثل حظ الذكر، أو للأنثى مثلا نصف حظ الذكر؟
والجواب من وجوه : الأول : لما كان الذكر أفضل من الأنثى قدم ذكره على ذكر الأنثى، كما جعل نصيبه ضعف نصيب الأنثى. الثاني : أن قوله : لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يدل على فضل الذكر بالمطابقة وعلى نقص الأنثى بالالتزام، ولو قال : كما ذكرتم لدل ذلك على نقص الأنثى بالمطابقة وفضل الذكر بالالتزام، فرجح الطريق الأول تنبيها على أن السعي في تشهير الفضائل يجب أن يكون راجحا على السعي في تشهير الرذائل، ولهذا قال : إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها [الإسراء : ٧] فذكر الإحسان مرتين والإساءة مرة واحدة. الثالث : أنهم كانوا يورثون الذكور دون الإناث وهو السبب لورود هذه الآية، فقيل : كفى للذكر أن جعل نصيبه ضعف نصيب الأنثى، فلا ينبغي له أن يطمع في جعل الأنثى محرومة عن الميراث بالكلية واللّه أعلم.
المسألة السادسة : لا شك أن اسم الولد واقع على ولد الصلب على سبيل الحقيقة، ولا شك أنه مستعمل في ولد الابن قال تعالى : يا بَنِي آدَمَ [الأعراف : ٢٦] وقال للذين كانوا في زمان الرسول عليه الصلاة والسلام : يا بَنِي إِسْرائِيلَ [البقرة : ٤٠] الا أن البحث في أن لفظ الولد يقع على ولد الابن مجازا أو حقيقة.
فان قلنا : إنه مجاز فنقول : ثبت لي أصول الفقه أن اللفظ الواحد لا يجوز أن يستعمل دفعة واحدة في حقيقته وفي مجازه معا، فحينئذ يمتنع أن يريد اللّه بقوله : يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ ولد الصلب وولد الابن معا.
واعلم أن الطريق في دفع هذا الأشكال أن يقال : انا لا نستفيد حكم ولد الابن من هذه الآية بل من السنة ومن القياس، وأما ان أردنا أن نستفيده من هذه الآية فنقول : الولد وولد الابن ما صارا مرادين من هذه الآية معا، وذلك لأن أولاد الابن لا يستحقون الميراث إلا في إحدى حالتين، إما عند عدم ولد الصلب رأسا، وإما عند ما لا يأخذ ولد الصلب كل الميراث، فحينئذ يقتسمون الباقي، وأما أن يستحق ولد الابن مع ولد الصلب على وجه الشركة بينهم كما يستحقه أولاد الصلب بعضهم مع بعض فليس الأمر كذلك، وعلى هذا لا يلزم من دلالة هذه الآية على الولد وعلى ولد الابن أن يكون قد أريد باللفظ الواحد حقيقته ومجازه معا، لأنه حين أريد به ولد الصلب ما أريد به ولد الابن، وحين أريد به ولد الابن ما أريد به ولد الصلب، فالحاصل ان هذه الآية تارة تكون خطابا مع ولد الصلب وأخرى مع ولد الابن، وفي كل واحدة من هاتين الحالتين يكون المراد به شيئا واحدا، أما إذا قلنا : ان وقوع اسم الولد على ولد الصلب وعلى ولد الابن يكون حقيقة، فان جعلنا اللفظ مشتركا بينهما عاد الأشكال، لأنه ثبت أنه لا يجوز استعمال اللفظ المشترك لإفادة معنييه معا، بل الواجب أن يجعله متواطئا فيهما كالحيوان بالنسبة إلى الإنسان / والفرس. والذي يدل على صحة ذلك قوله تعالى :
وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ [النساء : ٢٣] وأجمعوا أنه يدخل فيه ابن الصلب وأولاد الابن، فعلمنا


الصفحة التالية
Icon