مفاتيح الغيب، ج ٩، ص : ٥١٣
أن لفظ الابن متواطئ بالنسبة إلى ولد الصلب وولد الابن، وعلى هذا التقدير يزول الأشكال.
واعلم أن هذا البحث الذي ذكرناه في أن الابن هل يتناول أولاد الابن قائم في أن لفظ الأب والأم هل يتناول الأجداد والجدات؟ ولا شك أن ذلك واقع بدليل قوله تعالى : نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ [البقرة : ١٣٣] والأظهر أنه ليس على سبيل الحقيقة، فان الصحابة اتفقوا على أنه ليس للجد حكم مذكور في القرآن، ولو كان اسم الأب يتناول الجد على سبيل الحقيقة لما صح ذلك واللّه أعلم.
المسألة السابعة : اعلم أن عموم قوله تعالى يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ زعموا أنه مخصوص في صور أربعة : أحدها : أن الحر والعبد لا يتوارثان. وثانيها : أن القاتل على سبيل العمد لا يرث. وثالثها : أنه لا يتوارث أهل ملتين، وهذا خبر تلقته الأمة بالقبول وبلغ حد المستفيض، ويتفرع عليه فرعان.
الفرع الأول : اتفقوا على أن الكافر لا يرث من المسلم، أما المسلم فهل يرث من الكافر؟ ذهب الأكثرون إلى أنه أيضا لا يرث، وقال بعضهم : إنه يرث قال الشعبي : قضى معاوية بذلك وكتب به إلى زياد، فأرسل ذلك زياد إلى شريح القاضي وأمره به، وكان شريح قبل ذلك يقضي بعدم التوريث، فلما أمره زياد بذلك كان يقضي به ويقول : هكذا قضى أمير المؤمنين.
حجة الأولين عموم
قوله عليه السلام :«لا يتوارث أهل ملتين»
وحجة القول الثاني : ما
روي أن معاذا كان باليمن فذكروا له أن يهوديا مات وترك أخا مسلما فقال : سمعت النبي صلى اللّه عليه وسلم يقول :«الإسلام يزيد ولا ينقص»
ثم أكدوا ذلك بأن قالوا إن ظاهر قوله : يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يقتضي توريث الكافر من المسلم، والمسلم من الكافر، إلا أنا خصصناه
بقوله عليه الصلاة والسلام :«لا يتوارث أهل ملتين»
لأن هذا الخبر أخص من تلك الآية، والخاص مقدم على العام فكذا هاهنا
قوله :«الإسلام يزيد ولا ينقص»
أخص من
قوله :«لا يتوارث أهل ملتين»
فوجب تقديمه عليه، بل هذا التخصيص أولى، لأن ظاهر هذا الخبر متأكد بعموم الآية، والخبر الأول ليس كذلك، وأقصى ما قيل في جوابه : أن
قوله :«الإسلام يزيد ولا ينقص»
ليس نصا في واقعة الميراث فوجب حمله على سائر الأحوال.
الفرع الثاني : المسلم إذا ارتد ثم مات أو قتل، فالمال الذي اكتسبه في زمان الردة أجمعوا / على أنه لا يورث، بل يكون لبيت المال، أما المال الذي اكتسبه حال كونه مسلما ففيه قولان : قال الشافعي : لا يورث بل يكون لبيت المال، وقال أبو حنيفة : يرثه ورثته من المسلمين، حجة الشافعي أنا أجمعنا على ترجيح
قوله عليه السلام :«لا يتوارث أهل المتين»
على عموم قوله : لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ والمرتد وورثته من المسلمين أهل ملتين، فوجب أن لا يحصل التوارث.
فان قيل : لا يجوز أن يقال : إن المرتد زال ملكه في آخر الإسلام وانتقل إلى الوارث، وعلى هذا التقدير فالمسلم انما ورث عن المسلم لا عن الكافر.
قلنا : لو ورث المسلم من المرتد لكان إما أن يرثه حال حياة المرتد أو بعد مماته، والأول باطل، ولا يحل له أن يتصرف في تلك الأموال لقوله تعالى : إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ [المؤمنون : ٦] وهو بالإجماع باطل. والثاني : باطل لأن المرتد عند مماته كافر فيفضي إلى حصول التوارث بين أهل ملتين، وهو خلاف الخبر. ولا يبقى هاهنا إلا أن يقال : إنه يرثه بعد موته مستندا إلى آخر جزء من أجزاء إسلامه، إلا أن


الصفحة التالية
Icon