مفاتيح الغيب، ج ٩، ص : ٥١٤
القول بالاستناد باطل، لأنه لما لم يكن الملك حاصلا حال حياة المرتد، فلو حصل بعد موته على وجه صار حاصلا في زمن حياته لزم إيقاع التصرف في الزمان الماضي، وذلك باطل في بداهة العقول، وإن فسر الاستناد بالتبيين عاد الكلام إلى أن الوارث ورثه من المرتد حال حياة المرتد، وقد أبطلناه واللّه أعلم.
الموضع الرابع : من تخصيصات هذه الآية ما هو مذهب أكثر المجتهدين أن الأنبياء عليهم السلام لا يورثون، والشيعة خالفوا فيه،
روي أن فاطمة عليها السلام لما طلبت الميراث ومنعوها منه، احتجوا بقوله عليه الصلاة والسلام :«نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة» فعند هذا احتجت فاطمة عليها السلام بعموم قوله : لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ
وكأنها أشارت إلى أن عموم القرآن لا يجوز تخصيصه بخبر الواحد، ثم ان الشيعة قالوا : بتقدير أن يجوز تخصيص عموم القرآن بخبر الواحد إلا أنه غير جائز هاهنا، وبيانه من ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه على خلاف قوله تعالى : حكاية عن زكريا عليه السلام يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ [مريم : ٦] وقوله تعالى : وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ [النمل : ١٦] قالوا : ولا يمكن حمل ذلك على وراثة العلم والدين لأن ذلك لا يكون وراثة في الحقيقة بل يكون كسباً جديداً مبتدأ، إنما التوريث لا يتحقق إلا في المال على سبيل الحقيقة، وثانيها : أن المحتاج إلى معرفة هذه المسألة ما كان إلا فاطمة وعلي والعباس وهؤلاء كانوا من أكابر الزهاد والعلماء وأهل الدين، وأما أبو بكر فانه ما كان محتاجا إلى معرفة هذه المسألة البتة، لأنه ما كان ممن يخطر بباله أنه يرث من الرسول عليه الصلاة والسلام فكيف يليق بالرسول عليه الصلاة والسلام أن يبلغ هذه المسألة إلى من لا حاجة به إليها ولا يبلغها إلى من له إلى معرفتها أشد الحاجة، وثالثها : يحتمل أن
قوله :«ما تركناه صدقة»
صلة
لقوله :«لا نورث»
والتقدير : أن الشيء الذي تركناه صدقة، فذلك الشيء لا يورث.
فان قيل : فعلى هذا التقدير لا يبقى للرسول خاصية في ذلك.
قلنا : بل تبقى الخاصية لاحتمال أن الأنبياء إذا عزموا على التصدق بشيء فبمجرد العزم يخرج ذلك عن ملكهم ولا يرثه وارث عنهم، وهذا المعنى مفقود في حق غيرهم.
والجواب : أن فاطمة عليها السلام رضيت بقول أبي بكر بعد هذه المناظرة، وانعقد الإجماع على صحة ما ذهب اليه أبو بكر فسقط هذا السؤال واللّه أعلم.
المسألة الثامنة : من المسائل المتعلقة بهذه الآية أن قوله : لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ معناه للذكر منهم، فحذف الراجع اليه لأنه مفهوم، كقولك : السمن منوان بدرهم، واللّه أعلم.
أما قوله تعالى : فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ المعنى إن كانت البنات أو المولودات نساء خلصا ليس معهن ابن، وقوله : فَوْقَ اثْنَتَيْنِ يجوز أن يكون خبرا ثانيا لكان، وأن يكون صفة لقوله : نِساءً أي نساء زائدات على اثنتين. وهاهنا سؤالات.
السؤال الأول : قوله : لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ كلام مذكور لبيان حظ الذكر من الأولاد، لا لبيان حظ الأنثيين، فكيف يحسن إرادته بقوله : فَإِنْ كُنَّ نِساءً وهو لبيان حظ الإناث.
والجواب من وجهين : الأول : أنا بينا أن قوله : لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ دل على أن حظ الأنثيين هو الثلثان، فلما ذكر ما دل على حكم الأنثيين قال بعده : فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ على معنى :
فان كن جماعة بالغات ما بلغن من العدد، فلهن ما للثنتين وهو الثلثان، ليعلم أن حكم الجماعة حكم الثنتين


الصفحة التالية
Icon