مفاتيح الغيب، ج ٩، ص : ٥١٨
وإذا ثبت ذلك في الأختين لزم ثبوته في الأخوين، لأنه لا قائل بالفرق، فهذا أحسن ما يمكن أن يقال في هذا الموضع، وفيه إشكال لأن إجراء القياس في التقديرات صعب لأنه غير معقول المعنى، فيكون ذلك مجرد تشبيه من غير جامع، ويمكن أن يقال : لا يتمسك به على طريقة القياس، بل على طريقة الاستقراء لأن الكثرة أمارة العموم، إلا أن هذا الطريق في غاية الضعف واللّه أعلم، واعلم أنه تأكد هذا بإجماع التابعين على سقوط مذهب ابن عباس، والأصح في أصول الفقه أن الإجماع الحاصل عقيب الخلاف حجة واللّه أعلم.
المسألة الثانية : الاخوة إذا حجبوا الأم من الثلث إلى السدس فهم لا يرثون شيئا البتة، بل / يأخذ الأب كل الباقي وهو خمسة أسداس، سدس بالفرض، والباقي بالتعصيب، وقال ابن عباس : الاخوة يأخذون السدس الذي حجبوا الأم عنه، وما بقي فللأب، وحجته أن الاستقراء دل على أن من لا يرث لا يحجب، فهؤلاء الاخوة لما حجبوا وجب أن يرثوا، وحجة الجمهور أن عند عدم الاخوة كان المال ملكا للأبوين، وعند وجود الاخوة لم يذكرهم اللّه تعالى إلا بأنهم يحجبون الأم من الثلث إلى السدس، ولا يلزم من كونه حاجبا كونه وارثا، فوجب أن يبقى المال بعد حصول هذا الحجب على ملك الأبوين، كما كان قبل ذلك واللّه أعلم.
قوله تعالى : مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ.
اعلم أن مسائل الوصايا تذكر في خاتمة هذه الآية وهاهنا مسائل :
المسألة الأولى : أنه تعالى لما ذكر أنصباء الأولاد والوالدين، قال : مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ أي هذه الأنصباء إنما تدفع إلى هؤلاء إذا فضل عن الوصية والدين، وذلك لأن أول ما يخرج من التركة الدين، حتى لو استغرق الدين كل مال الميت لم يكن للورثة فيه حق، فأما إذا لم يكن دين، أو كان إلا أنه قضى وفضل بعده شيء، فان أوصى الميت بوصية أخرجت الوصية من ثلث ما فضل، ثم قسم الباقي ميراثاً على فرائض اللّه.
المسألة الثانية :
روي عن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه أنه قال : إنكم لتقرءون الوصية قبل الدين، وإن الرسول صلى اللّه عليه وسلم قضى بالدين قبل الوصية.
واعلم أن مراده رضي اللّه تعالى عنه التقديم في الذكر واللفظ، وليس مراده أن الآية تقتضي تقديم الوصية على الدين في الحكم لأن كلمة «أو» لا تفيد الترتيب ألبتة.
واعلم أن الحكمة في تقديم الوصية على الدين في اللفظ من وجهين : الأول : أن الوصية مال يؤخذ بغير عوض فكان إخراجها شاقا على الورثة، فكان أداؤها مظنة للتفريط بخلاف الدين، فان نفوس الورثة مطمئنة إلى أدائه، فلهذا السبب قدم اللّه ذكر الوصية على ذكر الدين في اللفظ بعثا على أدائها وترغيبا في إخراجها، ثم أكد في ذلك الترغيب بإدخال كلمة «أو» على الوصية والدين، تنبيها على أنهما في وجوب الإخراج على السوية.
الثاني : أن سهام المواريث كما أنها تؤخر عن الدين فكذا تؤخر عن الوصية، ألا ترى أنه إذا أوصى بثلث ماله كان سهام الورثة معتبرة بعد تسليم الثلث إلى الموصى له، فجمع اللّه بين ذكر الدين وذكر الوصية، ليعلمنا أن سهام الميراث معتبرة / بعد الوصية كما هي معتبرة بعد الدين، بل فرق بين الدين وبين الوصية من جهة أخرى، وهي أنه لو هلك من المال شيء دخل النقصان في أنصباء أصحاب الوصايا وفي أنصباء أصحاب الإرث، وليس كذلك الدين، فانه لو هلك من المال شيء دخل النقصان في أنصباء أصحاب الوصايا وفي أنصباء أصحاب الإرث، وليس كذلك الدين، فانه لو هلك من المال شيء استوفى الدين كله من الباقي، وإن استغرقه بطل حق الموصى له وحق الورثة جميعا، فالوصية تشبه الإرث من وجه، والدين من وجه آخر، أما مشابهتها بالإرث فما ذكرنا أنه متى هلك من المال شيء دخل النقصان في أنصباء أصحاب الوصية والإرث، وأما مشابهتها بالدين فلأن سهام


الصفحة التالية
Icon