ج١ص١٥٥
النحاة إن كان المراد بالمعنى الآتي الكلمة، فكونه تخصيصاً ظاهر لأنه قسم منه، ولذا اختاره كثير من أرباب الحواشي فإن لم يرد فالتخصيص ليس في مفابلة الإطلاق بل بمعنى التعيين مطلقاً، كما في قولهم الوضع تخصيص شيء بشيء، فلا حاجة إلى التكفف في توجيهه مثل ما قيل : من أنّ مراد المصنف بالمعنى اللغويّ الطرف وهو متناول لجميع حروف المباني، وأقسام الكلمة لخروج أصواتها من طرف اللسان، فهي حروف بالمعنى المذكور. قوله :( بل المعنى اللنويّ ) وهو الكلمات كما مرّ تحقيقه، فقوله ولعله سماه إلخ جواب آخر إذ المراد منه حينئذ حروف المباني، فإن أريد بالمعنى اللغويّ ما ذكر من الحروف المقطعة، وهي حروف المباني بالتحتية فهما جواب واحد، وليس المراد به الطرف كما توهم. قوله :( ولعله سماه باسم مدلوله ( هذا ما ذكره الإمام في تفسيره، وعبارته توهم أنه من بنات فكره، وعلى هذا فالحكم على ما ذكر بالحرفية باعتبار مدلوله فهو معنى حقيقي له لا مجازيّ، وما قاله الإمام ومن حذا حذوه من أنه سماه حرفا مجازاً لكونه اسم الحرف واطلاق أحد المتلازمين على الآخر مجاز مشهور ليس بشيء ويعلم مما ذكر غيره مما يشاركه في معناه ولا يرد عليه أنه إذا كان في الحديث بالمعنى اللغويّ يصير معناه من قرأ كلمة من كتاب الله أيّ كلمة كانت بدليل أنه ضم إليه في رواية، كما مرّ ذلك الكتاب، وليست كل كلماته مسماها الحروف حتى يصح تسميته باسم مدلوله فالظاهر أن يقال إنه جعل الكلمات بمنزلة حروفه، ولا يخفى ما فيه من التعسف لأنه على ما ذكر لا يراد بالحروف الكلمات بل حروف التهجي كما بيناه، فهذا تخليط منه وان كان ما ذكره من الرواية ينبو عنه إلا بتوفيق من بيده التوفيق، والحاصل أنّ ما ذكر إنما يدل على حرفية المسميات لا على حرفية هذه الألفاظ
لما اشتهر من أنّ الحكم في القضية على مدلولى الموضوع لا على عنوانه، ولا كلام في حرفية المسمى هنا، والعجب من بعض الناس إذ توهم هذا وجهاً آخر ثمّ قال إنّ المصنف رحمه الله لم يلتفت إليه لأنه غير قطعيّ في سقوط المعارضة، فإنّ كلام المعارض مبنيّ على أنّ ما ذكر من نحو ألف ولام وميم إعلام لا نفسها فيصح أن يطلق كل واحد منها، ويراد به ذلك اللفظ ويحكم عليه بأنه حرف، كما في قولك من حرف جر وضرب فعل ماض ونحوه وهذا لمن له بصيرة نقاذة خلط، وخبط نثر. خير من نشره فإنه ليس من قبيل الألفاظ الموضوعة لا نفسها إذ مدلول لام ل، وهو مغاير لاسمه الدال عليه وان أتفق كونه جزءاً له كلفظ كلمة كلمة الذي هو من جزئياتها كما مرّ نعم عبارة المصنف لا تخلو من الركاكة وهذا هو الذي أوقعه فيما وقع فيه، فإن قلت المقصود من الحديث تكثير الحسنات، وهو لا يناسب جعل ألف حرفا وهي ثلاثة أحرف قلت أجيب بأنّ المراد مسماه وهو بسيط، وفيه أنّ المقروء هنا الاسم والحسنة باعتبار القراءة إلا أن يقال قراءة الأسماء تقتضي قراءة المسميات وفيه نظر، فإن قيل المراد بسائط هو المركب أعني أنه اكتفى بذكر بسيط واحد عن كل واحد من الأسامي الثلاثة اختصاراً فهو بعيد، ولذا قيل إن الأوجه أن يراد بالحرف الكلمة. قوله :( ولما كانت مسمياتها حروفاً وحداناً ) وحدان بضم الواو جمع واحد كراكب وركبان وهذا زبدة ما في الكشاف من أنه ووعيت في هذه التسمية لطيفة، وهي أنّ المسميات لما كانت اً لفاظا كأساميها وهي حروف وحدان، والأسامي عدد حروفها مرتق إلى الثلاثة اتجه لهم أن يدلوا في التسمية على المسمى، فلم يغفلوها وجعلوا المسمى صدر كل اسم منها، كما ترى إلا الألف، فإنهم استعاروا الهمزة مكان مسماها لأنه لا يكون إلا ساكنا، ومما يضاهيه في إيداع اللفظ دلالة على المعنى التهليل والحوقلة، وتسميه النحاة نحتا، والمصنف رحمه الله تبعه في ذلك، إلا أنه عدل عن قوله، والأسامي عدد حروفها مرتق إلى الثلاثة إلى قوله وهي مركبة لأنه أخصر وأظهر، وفيه إشارة إلى أنّ ارتقاءه لذلك لا تتوقف عليه هذه اللطيفة، وإنما هو بيان للواقع، وفي شروح الكشاف كلام لا مساس له بعبارة المصنف رحمه اللّه، وهذا برمّته من كلام ابن جني في سرّ الصناعة حيث قال فيه : كل حرف يقرأ أوّل حروف تسميته لفظه بعينه ألا ترى أنك إذا قلت جيم، فأوّل حروفه ج وإذا قلت : ألف فأوّل الحروف التي نطقت بها همزة، ولما لم يمكن الواضع أن يبتدىء بالألف التي هي مذة ساكنة دعمها باللام قبلها متحرّكة ليتمكن من الابتداء بها


الصفحة التالية
Icon