ج١ص١٧٧
وأسماؤه توقيفية، وقيل : إنما المقدر يا عالمهما لاختصاصه بذلك العلم على حقيقته، وقيل إنّ هذا التأويل يرده ويأباه ما ورد في الأحاديث مثل ما أخرجه ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس في قوله : كهيعص قال : معناه يا من يجير ولا يجار عليه فتدبر. قوله :( وقيل الألف إلخ ) هذا مع اختصاصه بألم ليس واقعا في محله فهو كالدخول بين العصا ولحائها، وما قيل من أنه تأويل من استغرق في ذكر الله بحيث لا يشغله عن ذكره شاغل حسيّ، أو عقليّ لا يسمن ولا يغني من جوع، وقيل : إنه تتمة لما قبله وهو توجيه لتسميته تعالى به ولا يخفى بعده، ولذا قيل : ليس هذا تعليلاً لأنها أسماء الله متمما لما قبله كما يقتضيه ظاهر الكلام، وسياقه إلا أنه متصل به لقربه، وان كان الإيماء المذكور جاريا فيه وفي غيره، وهو قليل الجدوى. وقوله :( من أقصى الحلق ) أي أبعده مما يلي الصدر والمراد بالألف الهمزة، فإنه مخرجها أو الألف اللينة فإنه مخرجها في قول أيضا وقيل : إنها من الجوف أي جوف الفم أو ما يشملهما. قوله :( إنه سر استأثر اللّه بعلمه ) استأثر بالشيء استبد به أو اختص، وهو لازم كما في كتب اللغة وعليه ما هنا في أكثر النسخ وفي الحديث :" من ملك استأثر " وهو مثل أي من قدر آثر نفسه بالدنيا، وأصله أنّ داود عليه الصلاة والسلام، لما أمره اللّه تبارك وتعالى ببناء بيت المقدس بنى لنفسه بيتاً مثله، فأوحى اللّه عز وجل له قد أمرتك ببيت لي، فبنيت لنفسك مثله فقاله ووقع في بعض النسخ استأثره الله بعلمه بتعديته للضمير فذهب أرباب الحواشي إلى أنّ حقه أن يتركه لمخالفته للاستعمال وكتب اللغة، وقيل : إنه حمله على خصه، فعداه تعديته والضمير للرسول ﷺ والياء داخلة على المقصور وقيل : إنه يقال آثره الله بكذا أي أكرمه، وهذا استفعال
منه والضمير للرسول ﷺ أيضا أي أكرمه اللّه بعلمه دون غيره، وهذا القول ارتضاه كثير من السلف والمحققين وسئل الشعبي رحمه اللّه عنها فقال : إن لكل كتاب سرّاً وسر القرآن فواتح السور، فدعها وسل عما بدا لك، فهي من المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلاً الله. قوله :( وقد روي عن الخلفاء إلخ ) فعن الصدّيق رضي الله عنه في كل كتاب سر وسز الله في القرآن أوائل السور، وعن عمر وعثمان رضي الله عنهما الحروف المقطعة من السرّ المكتوم الذي لا يفسر، وعن عليّ رضي الله عنه أيضاً ما هو بمعناه، والحاصل أنه تفسير مأثور عن أكثر السلف فهو أرجحها ولذا اقتصر عليه بعض المفسرين. وقوله :( ولعلهم إلخ ( ضمير أرادوا للحلفاء أولهم وللذاهبين إلى هذا القول، وإنما أوّل بما ذكر اقتداء بالإمام وانتصاراً لمذهب الشافعي رضي الله عنه في المتشابه وأن الله والراسخين يعلمونه كما سيأتي تحقيقه في آل عمران والذي اختص الله تعالى به من علم الغيب هو علمه تفصيلاَ ذاتا وزمانا من غير واسطة أصلا فلا ينافيه علم بعض الأولياء والأنبياء عليهم الصلاة والسلام له بواسطة ذلك أو إلهام من الله. وقوله :( إذ يبعد الخطاب إلخ ( هو دليل الشافعية في تفسير المتشابه والمخالف فيه يقول لا حاجة إلى هذا التأويل ولا يلزم اللغو والعبث لجواز كون بعض القرآن لا للإفهام بل للتنبيه على اختصاص بعض الأسرار بعلمه تعالى على أنّ فيه فائدة، وهي الثواب في تلاوته وابتلاء الراسخين بمنعهم عن التفكر فيما يوصلهم إلى مبلغهم من العلم كما يبتلى الجهلة بتحصيله، ولكل وجهة فتأمل. قوله :( فإن جعلتها إلخ ) شروع في بيان إعرابها بعدما بين معانيها واستوفى الأقوال المشهورة منها وما لها وعليها، وحظها في الوجوه الثلاثة ظاهر لأنها أسماء منقولة من مفرد أو مركب وإعرابها بالوجوه الثلاثة، فالرفع على أنها خبر مبتدأ محذوف أي الله أو القرآن أو السور الم، أو على الابتداء وتقدير ما ذكر مؤخراً وهذا إن لم يكن بعدها ما يصلح للحمل عليها نحو ( الم الله ) و ﴿ الم ذَلِكَ الْكِتَابُ ﴾ [ البقرة : ١ ] فإن كان جاز عدم التقدير كما فصلوه. وقوله على الابتداء أو الخبر والخبر مصدر بمعنى الخبرية لعطفه على الابتداء الصريح في المصدرية أو الابتداء مؤول بالمبتدأ كضرب الأمير بمعنى مضروبه. قوله :( أو النصب بتقدير فعل القسم إلخ ) فالنصب بفعل القسم المقدر بعد حذف حرفه، وإيصاله للمقسم به نحو الله لأفعلن كما قالوا استغفر اللّه ذنبا، لكن في القسم لا يحذف حرفه إلا مع حذف الفعل، فلا يقال حلفت اللّه في فصيح الكلام وظاهر تقديم المصنف رحمه الله النصب ترجيحه على الجز، لأنه يضعف عند بعض النحاة حذف حرف الجرّ