ج١ص١٧٨
وإبقاء عمله من غير عوض عنه وان لم يضمر القسم أضمر اذكر ونحوه مما يناسب المقام فقوله : أو غيره بالجرّ معطوف على فعل القسم، وذكره النصب من غير إيماء لمرجوحيته في بعض المواضع مخالف لما في الكشاف فإنه زيفه لعدم استقامته في ﴿ ن وَالْقَلَمِ ﴾ [ القلم : ١ ] و ﴿ يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ ﴾ [ يس : ١ ] لاستكراه أئمة العربية له لما فيه من اجتماع قسمين على مقسم واحد، ولا يجوز كون الواو عاطفة للمخالفة في الإعراب، ولذا جاز على تقدير الجرّ فيه، وقيل : لا مخالفة بينهما فإنّ مبنى وكلام المصنف رحمه الله على التوزيع والتفصيل دون التعميم فتجري كلها فيما يصح فيه وبعضها فيما يصح فيه البعض دون البعض إذ لم يدع جريان جميع الوجوه في كل واحدة منها حتى يمتنع حمل كلامه على ما ذكر، فإن قلت كيف منعوا أو استكرهوا توارد قسمين على مقسم عليه واحد من غير عطف لأحد القسمين على الآخر، ، فلم يقولوا والله والرسول لأفعلن كذا- مع أن القسم مقوّ ومؤكد للجواب ولا مانع من ورود تأكيدين بل تأكيدات بغير عطف على مؤكد واحد نحو قام القوم كلهم أجمعون أكتعون، وأيضاً إذا اجتمع القسم والشرط على جواب واحد يجعل ذلك الجواب لأحدهما لفظاً ومعنى، وللآخر معنى فقط من غير استكراه أصلاً، فلم لا يجوزون ذلك هنا من غير استكراه، وما السرّ فيه قلت :- قد- صرحوا بأنه المسموع من العرب ووجهه، كما قاله السيد السند تبعاً للسراج قصور العبارة عما قصد من التشريك في المقسم عليه لإيهامه أن كل قسم يقتضي جوابا برأسه، وقيل : إنه لو جعل الواو للقسم كان كل واحد قسماً مستقلاَ بقصد يقتضي ارتباط الجواب به ارتباط الجزاء بالشرط، فينتقل من كلام إلى آخر قبل تمامه، فإن القسم الأوّل إنما يتمّ بالمقسم عليه، وقد فصل بينهما بالقسم الثاني فاقتضى القياس منعه إلا أنّ الثاني لما توجه لما توجه له الأوّل لم يكن احتياجا من كل الوجوه، فجار على استكراه، ولا يخفى ما فيه، فإنه لا مانع- من جعل أحد القسمين مؤكدا للآخر من غير عطف فيكتفي بجواب واحد، أو يقال : هما لما كانا مؤكدين لشيء واحد وهو الجواب جاز ذلك، فأي وجه للاستكراه إلا أن لما قاله سيبويه والخليل رحمهما الله تلقوه بالقبول، فليس على مستمع هذا الكلام غير تصديق حذام، وكأنّ هذا هو الداعي للمصنف رحمه الله غلى ترك ما في الكشاف فتدبر. قوله :( أو الجرّ الخ ) قال في المغني : من الوهم قول كثير من المعربين والمفسرين في فوقح السور أنه يجوز كونها في موضع جرّ بإسقاط حرف القسم، وهذا مردود، فإنّ ذلك مختص عند البصريين باسم الله سبحانه، وبأنه لا أجوبة؟- " للقسم في سورة البقرة وآل عمران، ويونس، وهود ونحوهن، ولا يصح أن يقال قدر ذلك الكتاب في البقرة و ﴿ اللّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ ﴾ [ آل عمران : ٢ ] في آل عمران جوابا وحذفت اللام من الجملة الاسمية كحذفها في قوله :
ورب السموات العلا وبروجها ~ والأرض وما فيها المقدر كائن
لأنّ ذلك على قلته مخصوص باستطالة القسم اهـ، ولعمري قد استسمن ذا ورم، وفد
وهمهم وهم الواهم وقد ساقه هنا بعضهم ظنا منه أنه وارد غير مندفع، وهو كلام واه فإنّ إتباع
البصريين ليس بفرض، فكفى لصحة ما ذكر كونه على مذهب الكوفيين، وأمّا اعتراضه الثاني بأنه ليس في تلك السور أجوبة، فجوابه ظاهر لأنه كثيراً ما يستغني عن الجواب بما يدل عليه كمتعلقه في قوله تعالى :﴿ يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ ﴾ [ النازعات : ٦ ] أي ليبعثن وهنا المقسم عليه مضمون ما بعده، فهو قرينة قريبة وقد صرح بهذا في التسهيل وشروحه، وأمّا حديث الاستطالة، وهو حذف اللام الجوابية لطول القسم كقول بعض العرب أقسم بمن بعث النبيين مبشرين ومنذرين، وختمهم بالمرسل رحمة للعالمين هو سيدهم أجمعين فهو إلخ جواب حذفت لامه لما ذكر، فليس بلازم بل هو الأغلب كما صرّح به ابن مالك رحمه الله وإن قال أبو حيان في شرح التسهيل : لم يذكر أصحابنا لاستغناء عن اللام وعن إنّ في الجملة الاسمية، فينبغي أن يحمل على الندور بحيث لا يقاس عليه، ولم يخص المصنف رحمه الله الإضمار بالباء، كما في الكشاف حتى يحتاج إلى الاعتذار له بأصالتها في القسم وكثرة استعمالها فيه دون الواو والتاء، وأخر هذا الوجه لما فيه مما سمعته، وعبر بالإضمار دون الحذف، لأنهم فرقوا بينهما بأنّ الإضمار الحذف مع بقاء الأثر لأنه يشعر بوجود مقدّر له، والحذف أعم منه، وقد يستعمل كل


الصفحة التالية
Icon