ج١ص١٨٦
والمصنف رحمه الله لم يتعرّض له لما فيه من الخفاء والإبهام، وقوله : بمعنى المفعول ظاهر، وفي بعض النسخ بني للمفعول، وهو إن صح فبنى معناه صيغ لبيان معنى المفعول، وهو أحد معاني البناء المارة. وقوله :( ثم أطلق على الننظوم إلخ ) ولم ينظر حينئذ إلى أنه حروف مجموعة وأصله الجمع مطلقا لأنه أصل مهجور هنا فلا يقال إنه مضيّ إلى المجاز بلا ضرورة كما توفم. قوله :( معناه أنه لوضوحه إلخ ( جواب عن أنه كيف نفى الريب استغراقا مع كثرة المرتابين والريب، أي هو لوضوح شأنه، ونير برهانه لا يرتاب فيه ذو نظر صحيح فتعين أنه وحي معجز وما سواه بمنزلة العدم لا يعتد به، ولا بارتيابه فمعنى نفيه عنه أنه ليس محلاً له، ولا مظنة عند العاقل المنصف ولذا قيل إنه لنفي اللياقة، والسطوع ظهور النار والنور، وارتفاعهما استعير لغاية الظهور وقوله بحيث خبر أن وما بينهما اعتراض، وحد الإعجاز له معنياه نهايته ومرتبته والإضافة بيانية أي النهاية التي هي الإعجاز، أو مرتبة هي الإعجاز، وسيأتي تنويره في تفسير قوله تعالى ﴿ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا ﴾ [ النساء : ٨٢ ] وقد قيل عليه : إن بلوغه حذ الإعجاز هو برهانه الساطع، فالأولى أن يقتصر على كونه وحيا، ولا يذكر قوله بالغا حد الإعجاز، وقيل السطوع إجمال والبلوغ المذكور تفصيل له، والإجمال لا يغني عن التفصيل، على انّ قوله بالغاً إلخ من تتمة بيان محل الارتياب المنفي بعد النظر الصحيح وتلخيصه أنّ ظهور برهانه بحسب نفس الأمر يوجب نفي الارتياب بعد النظر الصحيح في كونه بالغا حذ الإعجاز، فهذا كالعلة لعدم الارتياب في كونه وحياً، فليس في الكلام ما يستغنى عنه حتى يقال : إن الأولى تركه والأحسن أن يقال : إنّ قوله لوضوحه أي لظهور أحواله المخصوصة به علة لكونه وحيا وسطوع برهانه أي كونه في القوّة والنور المبين غير خفيّ علة لبلوغه حد الإعجاز، ففيه لف ونشر. قوله :( لا أنّ أحداً لا يرتاب فيه إلخ ) عطف على معناه أي المعنى هذا لا هذا، وقوله : ألا ترى بتاء الخطاب تأييد للنفي وعبر بما ذكر للدلالة على أنه لغاية وضوحه كالمحسوس الذي يرى وبعض الطلبة يقرؤه بالياء التحتية المضمومة تأدبا، والرواية بخلافه أو عدل عن قوله في الكشاف ما نفى أن أحداً لا
يرتاب فيه وإنما المنفي كونه متعلقاً للريب، ومظنة له لأنه من وضوح الدلالة، وسطوع البرهان، بحيث لا ينبغي لمرتاب أن يقع فيه إلخ. فغير العبارة وقدم وأخر إشارة إلى ما فيه مما لا يرتضيه لأنه كما اتفق عليه شراحه كان الظاهر أن يترك لا من قوله إنّ أحدا لا يرتاب إلخ لثلا يفسد المعنى لأنّ نفي نفي الريب إثبات له، وقد وجه بما لم يصف من الكدر فقيل : لا زإئدة وليس بشيء، وقيل : في نفي ضمير مستتر راجع للريب بقرينة السؤال وقيل : إن قبل أنّ حرف جرّ مفدّر، لأنها مفتوحة رواية ودراية، فكسرها توهم فارغ وتقديره ما نفى الريب بأنّ أحدا، أو لأنّ أحداً، أو على معنى أنّ أحداً لا يرتاب فيه، وردّ بأنّ المنفي حينئذ العلة، والتفسير فلا يقابله قوله وإنما المنفي إلخ. فالواجب أن يقال : وإنما نفي لعلة، أو على معنى آخر، وفيه نظر والأحسن ما قاله المحقق من أنّ في الكلام نقصا نوّه عنه لما أشار إليه بعض الفضلاء من أنّ المقابلة نظرا لمآل المعنى، ومحصله أو هو وارد على خلاف مقتضى الظاهر مثلاً بل المعنى ومثله أكثر من أن يحصر، وقيل : معناه ليست القضية الماتي بها سالبة هي هذه فالنفي بمعنى الإتيان بالخبر سالباً لا بمعنى الإعدام، فتصح المقابلة لا أنّ الكلام في استعمال النفي بهذا المعنى مع أنّ الحكم بزيادة لا أقل تكلفا منه كما قال قدس سرّه : والظاهر أنّ النفي بهذا المعنى في كلام المصنف، وعرف التخاطب غير عزيز، وما ذكره من المقابلة غير مسلم، فإنّ المنفي في قوله : إنما المنفي ليس بذلك المعنى، فلا تصح المقابلة ظاهرا والتكلف في تصحيح الأوّلين أقل من التكلف في هذا، ثم قال قدس سرّه : وفي مبالغته في الحصر بقوله وإنما إلخ إشارة إلى أنه ليس المنفي ههنا إلا كون القرآن محلاً صالحا في نفسه لتعلق الريب به، ومظنة له بل هو لوضوج الدلالة وسطوع البرهان على كونه حقا منزلاً من عند الله بحيث لا ينبغي لأحد أن يرتاب فيه، وهذا معنى صحيح لا يقدح في صدقه ارتياب جميع الناس فضلاً عن ارتياب بعضهم "، وفي اختيار إنما إشعار بأنّ كون المنفي ما ذكره أمر مكشوف، كما تقول بعد تلخيص مسئلة على وجه صواب هذا مما لا شك، ولا شبهة فيه مع تردّد المخاطب فيها تريد أنها يقينية لا يليق بأحد أن يشك فيها


الصفحة التالية
Icon