ج١ص١٨٧
وتقول لمن ينكر أمراً لا إنكار فيه أي ليس هو محلاً للإنكار وخليقا به هذا زبدة ما حققه السيد السند وفيه مؤاخذات مفصلة في حواشي المطول لا حاجة لإيرادها هنا، والحق كما قاله بعض الفضلاء أنّ في عبارة الكشاف تعسفا على سائر الوجوه فلذا عدل عنها المصنف رحمه الله، فلفه دره. قوله :( ﴿ وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا ﴾ [ البقرة : ٢٣ ] ) قيل : إنّ مراد المصنف أنّ وجود الريب وان تحقق إلا أنه منزل منزلة العدم لأنه لا يصدر عن عاقل تدبره، وما يصدر عن غيره لا عبرة به، فكأنه غير موجود رأسا فنفيه عنه نفي لكونه محلاَ له، ومظنة لثبوته والدليل على أنه أراد هذا تأييده ما مرّ بقوله ألا ترى إلخ، فليس حاصل جوابه تخصيصا لنفي الريب، كما توهم بل يثير إلى ما نقل هنا عن بعض الفضلاء من أنّ ما في الكشاف معناه ليس القرآن مظنة للريب، ولا ينبغي أن يرتاب فيه، فقيل
عليه : إنه مثنة لريب المرتابين ومع تحقق المئنة كيف يصح نفي المظنة وقول المصنف لا يرتاب العاقل بعد النظر الصحيح تخصيص لنفي الريب العام، ولو صح هذا ما أشكل على أحد، وقد استشكله مهرة المفسرين، فالأصح أنّ معنى ما في الكشاف أنّ الريب بمعنى جنسه منفي على عمومه، وإن كان المتقي في الحقيقة استحقاق الريب ولياقته به لا هو نفسه، وليس المراد تقدير الاستحقاق فيه، ولا أنّ المنفي وجوده بل تعلقه بالقرآن تعلق الوقوع من غير نظر إلى تعلقه بالمرتاب فضلاَ عن أن يكون المنفي هو التعلق الثاني، وذلك أنّ الارتياب له نسبة إلى الطرفين، وكل ما هو كذلك يجوز أن يكون مناط إيجابه، وسلبه تعلقه بأحد الطرفين ليس إلا كما بين في محله، فإن قلت إنهم قالوا قراءة لا ريب بالفتح نص في الاستغراق لأنّ نفي الجنس مستلزم له قطعا، فكيف يتأتى ادّعاء التخصيص قلت : هذا غير مسلم لما قاله بعض المدققين : من أن الموجبة الجزئية والسالبة الجزئية لا يتناقضان، فيجوز أن ينتفي الجنس في ضمن فرد ويثبت في ضمن فرد آخر، إلا أن يقال المفهوم بحسب العرف من نفي الجنس بلا تقييد نفيه بالكلية، وأيضا لا يظهر الكلام على رأي من جعل اسم الجنس موضوعا بازاء فرد، ومن ههنا تبين لك أنه لا فرق بين كلام الشيخين لمن كان صادق النظر. قوله :( فإنه ما أبعد عنهم الريب إلخ ) أي لم يجعل الريب بعيداً عنهم فما نافية لا تعجبية وقد أورد عليه أنّ قوله ما أبعد إلخ لا يناسب ما قبله بل المناسب له أن يقول إنّ إن الشرطية هنا بمعنى إذا إلا أنه قصد توبيخهم على الإرتياب، فصوّر بصورة ما لا يثبت إلا على سبيل الفرض والتردد لوجود ما يقلعه من أصله، أو على من لم يقطع بارتيابه على المرتابين وأيضاً إنّ ظاهر قوله :﴿ وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ ﴾ [ البقرة : ٢٣ ] الآية لا يفيد القطع بوجود الريب فلا يلائم قوله : لا أن أحداً لا يرتاب إلخ ليحصل التأييد، فالمناسب أن يؤيد بقوله :﴿ مَا هَذَا إِلَّا إِفْكٌ مُّفْتَرًى ﴾ [ سبأ : ٤٣ ] ونحوه وأجيب بأنّ القطع بوجود الريب كما أنه ينافي القطع بانتفائه كذلك تجويز الريب ينافي القطع بانتفائه واختيار هذه الآية لوجود لفظ الريب فيها وليس بشيء لمن تدبر السياق، لأنّ المصنف رحمه الله قصد بما ذكر. تنوير أمرين أحدهما إنّ معناه نفي ارتياب العاقل بعد النظر الصحيح. والثاني عدم إرادة نفي الإرتياب مطلقاً بقوله ما أبعد الريب إلخ أي جوّزه بكلمة الشك وان كان تجويزه لا يستلزم نفي إبعاده لجواز أن يجوز أمر بعيد لأنه إنما يتأتى إذا كانت كلمة الشك على حقيقتها، وليس كذلك فإنه عبر هنا بصورة الشك عن ريب محقق قطعاً إشعاراً بأنه ليس في محله لسطوع برهانه، وبقوله بل عرفهم الطريق المزيح إلخ فإنه يفيد نفي الارتياب بعد الإزاحة، فظهر أن لا ريب نفي لجنس الريب، رآلمراد منه نفي الريب الخاص، كما مرّ للعلم بوجود جنس الريب بدليل العقل والنقل، وتعيين هذا المعنى المجازي بسطوع البرهان، فلا وجه لما تكلف من البيان. قوله :( عرّفهم الطريق المزيح الخ ) المزيح بضم الميم وكسر الزاي المعجمة والياء المثناة التحتية، ثم حاء مهملة كالمزيل لفظاً ومعنى وضمير له
للريب وهو للطريق، لأنه يذكر ويؤنث أو للمزيج، لأنه ففسر له، والاجتهاد في الأمر أن يأتي به على أبلغ ما في وسعه وطاقته، ومنه الاجتهاد في الأمور الشرعية، والنجم المقدار عنه الذي يحصل به التحدي، والنجوم المقادير المفرقة والقرآن نزل نجوما، ونجم عليه الك ين نجعله نجوماً أي مقادير معينة يقال : نجمت المال إذا وزعته، كأنك فرضت أن تدفع إليه عند طلوع كل نجم نصيبا، - ثم صار