ج١ص١٨٨
متعارفا في تقدير دفعه بأي شيء قدرت ذلك كما قاله الراغب والجهد بالضمّ الطاقة وما يقدرون عليه. وقوله :( أن ليس فيه مجال للشبهة ) هذا ناظر لقوله لا يرتاب العاقل بعد النظر الصحيح، وأصل المجال محل الجولان، وهو الحركة في الجوانب، وهو كناية عن نفي الشبهة على أبلغ وجه كما يقال لا محل له. قوله :( وقيل معناه إلخ ) هذا معطوف على معناه السابق، وهو جواب آخر عن السؤال السابق في توجيه نفي الريب والمرتابين كما مرّ، وعلى هذا فيه صفة لاسم لا وللمتقين خبر لا، ومرّضه المصنف رحمه الله الما قيل عليه من أنّ المعروف في الظرف الواقع بعد لا أن يكون خبراً لا صفة، والمناسب لمقام المدح نفي الريب مطلقا مع أنه ينبو عن وصل المتقين بالذين إذ المعنى حينئذ لا شك في حقيته للمتقين المصدقين بحقيته، ولا يخفى ما فيه، والظاهر توجه النفي إلى القيد حينئذ فيختل المعنى إذ يلزمه وجود الريب إذا لم يكن هاديا مع تنافي القيد، والمقيد ظاهراً وما قيل : من أنه قيد للنفي لا للمنفي حتى لا يرد ما مرّ لا يدفعه، لأنه إثبات لما هو منشأ الإشكال، ونفي لما لم- يصدر عن صاحب هذا المقال، فإن أريد الرذ على غيره، فلا مشاحة ولا جدال.
( أقول ) ما توهمه من أنّ منشأ الإشكال كونه قيدا للنفي ليس بصحيح إنما منشؤه أنه إذا لم
يكن هديا اقتضى ثبوت الريب فيه للمتقين، وهو فاسد لأنّ المتقي لا يرتاب أصلاً، ولذا قيل إنّ الحال على هذا الأزمة، فلا يبقى للإشكال مجال، وأمّا جعله قيدا للنفي، كما في قوله تعالى :﴿ فَمَا أَنتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ ﴾ [ الطور : ٢٩ ] وقوله ونجي التلخيص لم أبالغ في اختصاره تقريبا فهو مستقيم لكنه لا يدفع الإشكال، وكونه لا يقول به صاحب هذا المقال دعوى غير مسموعة نعم تمريض المصنف له ظاهر لعدم املاءمته للسياق، وقلة جدواه، فإنّ المتقي لا يتصوّر منه الريب حتى ينفي. قوله :( وهدي حال من الضمير المجرور ) نفي الراجع على القرآن والمصدر يقع حالاً مبالغة بجعله عين الهدي أو مؤوّلاً بالتأويل المشهور. وقوله :( والعامل فيه ) أي في الحال، لأنها تذكر وتؤثث والمراد بالظرف لفظ فيه لأنّ الظرف يطلق على أسماء الظروف نحو عند وحيث، وعلى الجارّ والمجرور لا سيما وفي الجارّة هنا ظرفية وفيه تسامح لأنه أراد بالظرف متعلقه وهو حاصل أو استقرّ، لأنه هو الصفة والعامل حقيقة في الضمير محلاً فلا يرد عليه أنّ العامل في الحال، وهو متعلق الظرف غير العامل في ذيها، وهو في الجارّة حتى يقال إنه على رأي من لم يثترط إتحاد عاملهما قيل : وهذا هو السرّ في إطناب
المصنف هنا بقوله والعامل إلخ وأما تعلق فيه بريب، فردّ بأنه يكون مطوّلا، فيتعين نصبه على اللغة الفصيحة، وإن وجه بأن المراد أنه معمول لما دلّ عليه الريب لا له نفسه كما في الدرّ المصون. قوله :( والريب في الأصل ) أي هذا معناه في أصل اللغة ثم استعمل في الشك والكذب والتهمة، وهو مصدر أيضا لكنه بحسب أصل اللغة مجاز من استعمال المسبب في السبب كما أيثحار إليه بقوله : لأنه يقلق قال أبو زيد : يقال رابني من فلان أمر إذا كنت مستيقنا منه بالريب، فإذا أسأت به الظن ولم تستيقن منه بالريب قلت : أرابني من فلان أمر هو فيه إرابة وقد أبان الفرق بين راب وأراب بشار في قوله :
أخوك الذي إن ربته قال إنما ~ أراب وان عاتبته لان جانبه
والارتياب يجري مجرى الإرابة كما قاله الراغب. وقوله. حصل بتشديد الصاد المهملة
من التحصيل، والريبة بكسر الراء، وقلق النفس أصله عدم السكون والقرار كتقلب المريض على فراشه، والإضطراب بمعناه لأنه افتعال من الضرب ويقابله الإطمئنان، ثم عمّ الحركات الحسية والمعنوية. قوله :( سمي به الشك إلخ ( ظاهر قوله سمي أنه حقيقة في معنى الشك ويشهد له ظاهر كلام الأساس وغبره من كتب اللغة إلا أن سياقه. وقوله. ( لأنه يقلق إلخ ( يأباه، ولذا قال : أرباب الحواشي إنّ المصنف رحمه الله أراد أنه عدل به عن معناه المصدري واستعمل في معنى الشك مجازا بعلاقة السببية بذكر المسبب وإرادة السبب، ولو أريد معناه الأصلي لقيل لا ريب له فسمي هنا بمعنى استعمل وهو كثيراً ما يستعمل بهذا المعنى، وان كان الأكثر أنه بمعنى وضع الاسم العلم أو مطلق الوضع، وقيل عليه : إن القرآن لا يتوهم أن يكون رائباً حتى يقال : لا ريب له بل لو كان مصدراً كان الواجب لا ريب فيه، وهو على كل حال مصدر لأنه تجوّز في فعله أيضاً، وهذا من عدم


الصفحة التالية
Icon