ج١ص١٩٠
الدهر خيراً كانت أو شرّاً كما في حديث مسلم نوائب الحق وقال لبيد :
نوائب من خير وشرّكلاهما شلا الشيم ممدود ولا الشرّ لازب
لكن خصت بما يحدث من الشرّ والمصائب وهو المراد هنا وهو المناسب للقلق. قوله :
( يهديهم إلى الحق ) إشارة إلى أنه مصدر في الأصل، والمراد به هنا الهادي بأحد الوجوه المعروفة في أمثاله وعبر بالمضارع إشارة إلى الاستمرار التجدّدي، فإنه وان كان مما يدلّ عليه غير المضارع إلا أنّ اسم الفاعل والمفعول يدلان على ذلك في الجملة. وقوله :( في الأصل ) إشارة إلى أنه هنا ليس المراد به ذلك، كما عرفته، وهذا وزن نادر في المصادر لم يرد منه فيما قيل إلاً الهدي والتقى والسري والبكي بالقصر في لغة، وزاد الشاطبيّ لغي بالضمّ في لغة أيضا، ولذا قال كالسري إلخ إشارة إلى أنه ليس من أوزان المصادر المطردة المشهورة، وما قيل من
أنّ كلام سيبويه مضطرب فيه، فمرّة قال : هو عوض من المصدر لأذ فعلاً : لا يكون مصدراً وأخرى يقول هو مصدر هدي يدفع بأنّ مراده أنه اسم مصدر لا مصدر لمخالفته لصيغ المصادر، واسم المصدر مصدر عند اللغويين. قوله :. ( ومعناه الدلاله إلخ ) اختلف السلف في الهداية فقيل : هي الدلالة على ما يوصل إلى المطلوب وقيل هي الدلالة الموصلة إلى المطلوب، ورجح كثير الأوّل ومنهم المصنف، وقيل : مراده الدلالة بلطف بقرينة ما : قدمه في الفاتحة، وإلا كان بين كلاميه مخالفة مّا وليس بشيء، ونسب، الثاني إلى البعض ونقض بقوله تعالى :﴿ وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى ﴾ [ فصدت : ١٧ ] والأوّل منقوض بقوله ﴿ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ﴾ واحتمال التجوز مشترك وللمناقشة في امتناع حمله على هك ا المعنى مجال لإمكان أنّ الهداية فيمن لا يهتدي بمعنى الدلالة على ما يوصل أي أنت لا تتمكن من إراءة الطريق، لكل من أحببت، وإنما نحن نمكنك لمن أردنا كقوله ﴿ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ ﴾ [ الأنفال : ١٧ ] وما قيل / عليه :. من أنه يأباه ما قاله الجمهور من أنها نزلت في أبي طالب وطلب النبيّ ﷺ إيمانه عند وفاته، ، واعراضه لتعيير قريش، وسؤق الاية إذ لا فائدة يعتد بها حينئذ، والهداية بهذا المعنى أي الدلالة واقعة منه بلا خفاء، والكلام في الإيصال ليس بوارد لأنّ المراد تسليته ﷺ، فكأنه قيل له ليس لك من الأمر شيء فلا تحزن، ويؤيده التمثيل بقوله وماءرمت ولا يتوهم أنّ للمناقشة في امتناع حمل الأية الأولى على المعنى الثاني أيضا مجالاً بأن يقال : معناها أوصلناهم إلى المطلوب فتركوه، فإنه خلاف الواقع وخلاف ما عليه المفسرون ولفظ الاستحباب مناد على خلافه، ووقاءل الفاضل المحقق : إنها تتعدّى بنفسها وبإلى واللام ومعناها على الأوّل الإيصال وعلى غيره إراءة الطريق، ولذا أسند الأوّل لله، والثاني للنبيّ صلى اللّه عليه وسلم تارة وللقرآن أخرى نحو ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ﴾ [ الإسراء : ٩ ] فيندفع النقض وفيه أنه ينتقض حصر إسناد الفتعدي ينفسه إلى الله بقوله :﴿ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ﴾ [ القصص : ٥٦ ] وحصر المتعذي بالحرف في غيره بقوله :﴿ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ [ البقرة : ٢١٣ ] إلا أن يقال إنه أغلبيّ أو مخصوص بالإثبات كما قيل : ولا يخفى ما فيه. وقال الجلال الدواني : إنّ المذكور في كلام الأشاعرة أنّ المختار عندهم هو القببرل الثاني وعند المعتزلة القول الأوّل، والمشهور هو العكس. وقيل : يمكن التوفيق بينهما بأنّ كلام الأشاعرة في المعنى الشرفي المراد في أغلب استعمالات الشارع، والمشهور مبني على المعنى اللغوي أو العرفي ويخدشه أنّ صاحب الكشاف مع تصلبه في الاعتزال اختارا الثاني هنا مع أن الظاهر في القرآن هو المعنى الشريئ فالأظهر التوفيق بعكس ما ذكر وأما عند أهل الحق فالهداية مشتركة بين المعنيين المذكورين وعدم الإهلاك فيندفع ما مرّ كما ذكره بعض مدققي أهل الكلام وفيه تفاصيل أخرى تركناها خوف الملل. وقوله :( إلى البغية ) بالموحدة والمعجمة بمعنى
المطلوب، والمقصود ويجوز في بائها الكسر والضمّ قال في المصباح : ولي عند. بغية بالكسر، وهي الحاجة التي تبغيها وضمها لغة. وقيل : بالكسر الهيئة، وبالضمّ الحاجة اهـ. قوله :( لأنه جعل مقابل الضلالة إلخ ) هذا شروع في مرجحات الثاني الذي ارتضاه الزمخشريّ، واقتصر عليه والمصنف أخره، ومرّضه مخالفاً له وطوى بعضه لما سيأتي عن قريب وهذا هو الدليل الأوّل على ترجيح الثاني، وحاصله أنه مقابل في القرآن والإستعمال بالضلالة


الصفحة التالية
Icon