ج١ص١٩٣
﴿ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ﴾ إذ يجوز أن يكون معناه هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ المهديين بذلك الهدى، كما في السلاج عصمة للمعتصم أي سبب لها إذ لم يفهم منه أن هناك عصمة أخرى مغايرة لما كان معتصماً به، لأنا نقول إذا عبرت عن شيء بما فيه معنى الوصفية، وعلقت به معنى مصدرياً مطلقا فهم منه في عرف اللغة أن ذلك الشيء موصوف بتلك الصفة حال تعلق ذلك المعنى به لا بسببه، فإذا قلت ضربت مضروباً فهم منه أنه موصوف بالمضروبية بضرب آخر حال تعلق ضربك به لا بسبب ضربك إياه، فأخذت مضروبيته على أنها صفة مقزرة له وان لم يضرب، فإذا أردت أنه مضروب بضربك هذا كان مخالفاً للظاهر مجازاً باعتبار الأوّل، فقولك هدي لزيد أو للضالّ واضلال لبكر، أو للمهتدي جار على ظاهره بخلاف هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ واضلالى للضالّ، وحديث العصمة لا يجدي إذ لم يرد معناها المصدري المتضمن للحدوث بل الحاصل بالمصدر، وهو معنى مستقرّ ثابت يضاف للمعتصم فإن أريد المعنى المصدري احتيج لأحد التأويلين، وما يتوهم من أنّ متعلقات الأفعال، وأطراف النسب حقها على الإطلاق أن يعبر عنها بما يستحق التعبير به حال التعفق والنسبة لا حال الحكم بالنسبة حتى لو خولف ذلك كان مجازاً منظوراً فيه، لأنّ قولك عصرت هذا الخل في السنة الماضية مشيراً إلى خل بين يديك لا مجاز فيه مع أنه لم يكن خلاَ زمان العصر، وقولك سأشرب هذا الخل مشيراً إلى عصير عندك مجاز باعتبار المآل، وان كان خلاَ حال الشرب، فالواجب في ذلك كما قال قدّس سرّه أن ترجع إلى وضمع الكلام، وطريقته فإنه كثيراً ما يعتبر زمان النسبة، كما في الأمثلة المتقدّمة، وربما يعتبر زمان إثباتها كما في هذين المثالين، ثم المجاز باعتبار المآل قد يكون بطريق المشارفة، كما في " من قتل قتيلآ " فإنه قتيل حقيقة عقيب تعلق القتل به بلا تراخ كما في تمريض المريض، وقد يكون بطريق الصيرورة مجرّدة عن المشارفة، كما في قوله :﴿ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا ﴾ [ سورة نوح : ٢٧ ] فإنّ الإتصاف بالفجور والكفر متراخ عن الولادة.
( أقول ) اختلف أهل العربية، والأصول في الوصف المشتق هل هو حقيقة في الحال، أو الاستقبال، وهل المراد زمان النسبة، أو التكلم من غير واسطة بينهما وما ذكره هنا مخالف للفريقين، والذي عليه المحققون أنه زمان النسبة، فما ذكر. الشارح الفاضل هنا وفي التلويح موافق لما قاله الجمهور، وهو الذي ارتضاه في الكشف، ويرد على ما ادّعاه من أنّ تعلق المعنى المصدري يقتضي- كون اتصافه بالمعنى الوصفي مقرّر مستحقاً له قبل التعلّق أنّ اسم الفاعل نحو السلاج عصمة للمعتصم يكون حقيقة في الماضي، وهو مرجوح، فإن قلت إنه لو لم يكن كذلك يكون لغوا من الكلام إذ لا مفاد لإثبات القتل لمقتول به في من قتل قتيلاً. وما ضاهاه، وهو الداعي لارتكاب ما ارتكبه كما أشار إليه قلت : نعم لو صدر من غير بليغ قصد ظاهره كان كما زعمت أنا إذا قصد أنّ القتل المتصف به صادر عن هذا الفاعل دون غيره فكأنه قيل لم يشاركه في قتله غيره، فسلبه له دون غيره، كما يشير إليه تقدّم له كان كلاما بليغا يفيد الحصر بقرينة عقلية فمعنى المال غنى للغنيّ، لا غنى له إلا بالمال، وكذا إذا قلت الذليل من أذثه الله، فالمعنى هنا لا هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ إلا بكتاب الله المتلألىء نور هدأيته، وإذا وعيت هذا عرفت أنّ الحق مع الفاضلين السعد، وصاحب الكشف، ولا خلاف بينهما إلا في أنّ من قتل قتيلاً حقيقة أم لا، وقد ذهب إلى أنّ الحق هو الأوّل الكرماني والسبكي حتى خطآ من قال : إنه مجاز وأمّا الشبهة الموردة بنحو عصرت هذا الخل، فليست بواردة ولذا قال بعض المدققين بعدما ساق كلام السيد : السند إذا وجد اسم الإشارة مثل أن يقول عصرت هذا الخل، أو هذا المتصف بالخمرية، أو الخلية فالمعتبر زمان الإشارة لا زمان الحكم السابق، فإن صح إطلاق الخل على المشار إليه، وا-لصافه بالخلية مثلاً في زمان الإشارة مع قطع النظر عن الحكم السابق كان حقيقة ولا فمجاز، والحاصل أنه إذا علق حكم على اسم الإشارة الموصوف بما مرّ ففي الحقيقة هنا تعليقان تعليق الحكم السابق بذات المشار إليه وتعليق الإشارة به فالمعتبر زمان الإشارة لا زمان الحكم السابق، وهكذا ينبغي أن يفهم هذا المقام المشتبه على كثير من الأقوام ولذا بسطنا الكلام فيه لأنه يحتاج إليه في مواضع مهمة ستراها في محلها إن شاء الله تعالى، فما نحن فيه غير محتاج للتأويل وليس من المجاز إذ المتقي مهتد بهذا الهدي حقيقة، وهذا ما جنح إليه المصنف رحمه الله ودفع


الصفحة التالية
Icon