ج١ص١٩٦
السمعية وقيل حاصل الأوّل إن اختصاصه بالمتقين لاختصاصهم بالاهتداء والانتفاع بالقرآن، وحاصل الثاني أن الاختصاص بهم، لأجل أن العلم بأسرار الآيات ودقائقها والاستدلال على صفات الصانع وآثاره كما ينبغي يختص بالمتقين وقد عرفت حقيقة الحال المغنية عن القيل والقال. قوله :( لأنه كالفذاء إلخ ) كما قال أبقراط : البدن الغير التقيّ، كلما غذوته إنما تزيده شرّا ومنه أخذ المتنبي قوله :
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته وان أنت أكرمت اللئيم تمزدا
ولم يقل- كالدواء س لأنّ الغذاء الحافظ للصحة دواء أيضا، ويزيد عليه أنه يلزم دائماً، كالهداية بخلاف الدواء، فإنه يكون أحياناً للضرورة، فلا يقال الظاهر أن يقول دواء ليطابق ذكر الشفاء في الآية، وسمي شفاء لأنه يشفي من مرض الجهل والعلم يسمى حياة وشفاء، وليس المراد أنه يستشفى به في الرقى، كما توهم فالكتاب لا يجلب نفعا ما لم يكن الإيمان بالله ورسله حاصلاً. قوله :( قوله كمالى :﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء ﴾ الآية [ الإسراء : ٨٢ ] ) من بيانية مبينة لما لجوار تقدمها على المبين على ما بين في النحو لا تبعيضية على أنّ المعنى أن منه ما يستشفى به كالفاتحة، وآيات الشفاء، لأنه غير مناسب للسياق إذ المراد أنه شفاء من مرض الجهل والضلال في الدنيا، كما هو رحمة في الآخرة أو في الدارين، وخص الشفاء بالمؤمنين، كما خص الهدى بالمتقين هنا والمراد بالظالمين الكفرة لقوله :﴿ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [ لقمان : ١٣ ]، والخسار لتكذيبهم به، وعدم قبولهم لما جاء به كالمريض الذي لا يفيده العلاج وربما كان الدواء زيادة في الداء. قيل فالوجه الثاني هو المختار إذ علنى الأوّل لا يحسن جعل الذينء يؤمنون صفة، ولا مخصوصا بالمدح رفعا ونصباً، ولا استئنافا لأنّ الضالين الصائرين إلى التقوى ليسوا متصفين بشيء مما ذكر وحمل الكلي على الاستقبال، والمشارفة يأباه سياق الكلام وفيه نظر. قوله :( ولا يقدح ما فيه إلخ ) القدح الطعن من قدح الزناد، وهو ضرب بعضه ببعض والمراد به الاعتراض، وهذا جواب عن سؤال تقديره جميف يكون الكتاب هدى ودالاً، وفيه ما لا يفهم من المجمل والمتشابه، كما قاله الإمام وأجاب عنه بما ذكره المصنف، وهو على مذهب الشافعية القائلين بأنّ المتشابه يعلمه غير الله من الراسخين في العلم، كما سيأتي نن سورة آل عمران، وأمّا عند غيرهم، فينبغي أن يقال : إنه لا يستليزم كونه هدى هدايته باعتبار كل جزء منه، وإنما ذكر فيه ذلك ابتلاء لذوي الألباب بما لا تصل إليه العقول، ولما لم يخل عند المصنف من مبين يعين المراد منه كان بعد التبيين فيه هدى ودلالة، وتوقف هدايته على شيء لا يضر فيها، كما أنه على رأي متوقف على تقدم الإيمان بالله ورسله، ومن هنا عرف وجه تأخير ما هنا لتوقفه على ما قبله وارتباطه به، والمعين العقل أو السمع كما صرّحوا به، فسقط ما قيل إذا بين ذلك المراد منه لم يكن هدى في نفسه، وإنما يكون كذلك لو أفاد ابتداء ما يفيده الكتاب. وقوله :( لما لم إلخ ) بكسر اللام الجارّة وتخفيف الميم من ما المصدرية أي لعدم انفكاكه إلخ ويجوز فتح اللام مع تشديد الميم إلا أنّ قوله لا يقدح ينبو عنه في الجصلة. قوله :( والمتقي إلخ ( أي هو اسم فاعل اتقى مطاوع وقي أبدلت واوه تاء على القاعدة المعروفة، وما ذكر مذهب الزمخشرفي، وخالفه في لباب التفاسير والدرّ المصون، وهو ظاهر كلام أهل اللغة لأنّ الافتعال " له معان : منها الإيجاد قالوا ومنه
اتقى، وقد بين معناه لغة وشرعا، وذكر له مراتب وأراد بالشرك مطلق الكفر، وهو شائع فيه حتى صار كأنه حقيقة، فلا يقال حقه أن يبدل الثرك بالكفر، ولا إلى الجواب بأنّ المراد هذا وما في حكمه مما يوجب العذاب المخلد من وجوه الكفر. وقوله :( والوقاية إلخ ) مثلث الواو والفرط بفتح الفاء وسكون الراء المهملة والطاء المهملة بمعنى الزيادة والمبالغة لأنه يكون بمعنى مجاوزة الحدّ كما في القاموس وفيما قاله شيء، لأن المذكور في كتب اللغة تفسيرها بالحفظ والصيانة، وما ذكره من الزيادة زيادة كأنه أخذها من المادّة وما قاله بعض الفضلاء من أن ما ذكر. المصنف لا يوجد في شيء من كتب اللغة المشهورة لا وجه له. وقوله :( في عرف الشرع ) أي نقلت لصيانة مخصوصة لها مراتب والمعنى اللغوي شامل لها كما لا يخفى، وإن لم يكن ذلك لازماً. وقوله :( بقي نفسه ) في بعض النسخ يتقي عما إلخ بالتاء، وبإسقاط لفظ نفسه وما ذكره بيان للمتقي، ويعلم منه التقوى. قوله :( ١ لتجنب عن كل ما يؤثم ) التجنب الترك