ج١ص٢٠٥
لا عرف الشرع حتى يعود الاستشكال، أو يقال هو من الشرعي، وان لم يكن داخلاً في قسم من الأقسام السابقة على التعيين لأنّ المقصود من تلك المراتب بيان حدّها الأدنى والأوسط والأعلى، فلا ينافي أن يكون بينها مراتب أخر مركبة أو مفردة منها، فسقط ما قيل من أنه إن حمل هذا على المرتبة الأولى،
فالصفة مقيدة باعتبار الصلاة فيما بعدها، لكن لا يتعين فيه ترتيب التحلية على التخلية لأنّ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، فتقتضي اجتناب المنكرات كلها وهي تحلية أيضاً إلا أن يتكفف وان حمل على المرتبتين الأخيرتين فليست بمقيدة، أو هو لغويّ، لأنّ التقوى في اللغة الاحتراز، وأورد عليه أنّ المراد هنا احتراز خاص فلا يكون حقيقة لغوية، ولذا قيل إنها مقيدة إن فسرت التقوى بما يناسب معناها اللغوي الذي هو الاجتناب أعني ترك ما لا ينبغي شرعاً من المعاصي والمنهيات، ولا يخفى أنه مع ما فيه لا يجدي نفعاً، كالقول بأنه نوع من اللغوي خص لاقتضاء المقام له، والحق اًنّ هذا معنى حقيقي شرعي، أو لغوي كما في الكشف، وهو الأظهر ولا يرد عليه ما مرّ، لأنه إنما يكون كذلك إذا لم يخص بتعريف بأل، أو إضافة وأمّا في ذلك، فلا مرية في أنه معنى حقيقي فرجل وغلام عام أو مطلق لو أريد به زيد وعمرو كان مجازا، ولو قيل الرجل والغلام بالتعريف العهدي وأريد ذلك، فلا وهو أشهر من أن يذكر، والمراد بالمتقي هنا من يتجنب القبائح والمنهيات سواء امتثل لأوامر وأتى بالحسنات أم لا، فالصفة مخصصة كزيد التاجر لدلالتها على ما هو خارج عن معنى الموصوف فإن قيل اجتناب المعاصي لا يتصوّر بدون فعل الطاعات لأنّ ترك الطاعة معصية، كما قال تعالى :﴿ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ ﴾ [ التحريم : ٦ ] قيل إن مبنى هذا على أنّ المعصية فعل ما نهى الله عنه وأنّ الترك ليس بفعل، وقيل المراد بالمعاصي ما تعلق به صريح النهي، وترك المأمور به منهي عنه ضممناً، وأورد عليه أنّ الأوّل ضعيف لأن السائل استدل على أن ترك الطاعة معصية بآية ﴿ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ ﴾ [ التحريم : ٦ ] فلا يدفعه مجرّد أن يقال إنّ المعصية مخصوصة بغير الترك على أن ترك الطاعة بمعنى الكف عنها مما يعاقب عليه، فيكون حراما والكف عن المعصية مما يثاب عليه فيكون واجبا كما تقرّر في الأصول، ويلزم الثاني أن لا تبطل التقوى بارتكاب المنهيات الضمنية المستفادة بإشارة النص أو الاقتضاء، والدلالة وليس كذلك مع أنه يختل بالواجب الذي وقع الوعيد على تركه صريحا فإنه يدخل هذا الترك في المعصية، وبالجملة لا يظهر تخصيص التقوى بما يتعلق صريح النهي به، فإنها الاحتراز عن المعصية مطلقا، وليس بوارد، لأنه ليس الكلام في أنّ هذه الأمور معصية، وان ترك المنهيات، والمعاصي مطلقاً تقوى إنما الكلام في أنها داخلة في مفهوم هذه التقوى أم لا وعلى الثاني، فلزوم اجتنابها مفهوم من الصفة المقيدة، وعلى كل حال فلا بدّ من اجتنابها، ولكن هل يؤخذ هذا من الموصوف، أو من الصفة وعلى كل لا محذور فيه حتى يرد على ما أورده. قوله :( بترك ما لا ينبغي الخ ) ينبغي مطاوع بغاه يبغيه إذا طلبه، ويكون لا ينبغي بمعنى لا يصح، ولا يجوز وبمعنى لا يحسن، وهو بهذا المعنى غير متصرف لم يسمع من العرب إلا مضارعه، كما في قوله تعالى :﴿ لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ ﴾ [ يس : ٤٠ ] وقد قيل إنه يدخل فيه ترك الكفر، وترك العقائد الفاسدة، وجميع المناهي والإخلال بالأعمال الصالحة،
وترك الكفر عين الإيمان، وإلا لزم ثبوت المنزلة بين المنزلتين، وأمّا دخول جميع الأعمال فقد مرّ مع جوابه، ومن تخلى عما ذكر يجوز تحليه بالطاعات وعدم تحليه بها فلهذا كانت هذه الصفة على هذا مقيدة وقد علم مما مرّ أنه مما ينبغي فكان عليه أن يقتصر على المناهي فافهم ترشد.
( تنبيه في فائدة مهمة ) قال الآمدي رحمه الله في ابكار الأفكار : الترك في اللغة يطلق على
عدم الفعل يقال ترك كذا إذا لم يفعله سواء تعرّض لضده أم لا، سواء كان له قصد أم لا كالنائم والغافل، ولا مانع منه لغة وخالفه بعض المتكلمين فشرط أن يكون الفعل مقدوراً له في العادة، فلا يقال ترك خلق الأجسام، وقد يطلق الترك على مقدور مضاف لمقدور آخر عادة نحو ترك الحركة بالسكون وعكسه وعلى هذا إن أوجبنا ربط الثواب، والعقاب بالأفعال، فلا يكون مرتبطا بالترك بمعنى عدم الفعل بالاصطلاح الأصولي، وان لم نوجب ارتباطه بالفعل بل جوزنا نصب العدم علامة على الثواب والعقاب، فلا مانع من ارتباطه بالترك بالمعنى اللغوي على كلا الاصطلاحين فيمتنع إطلاق ترك خلق العالم في الأزل