ج١ص٢٠٦
عليه تعالى إذ تحقق أنه في الأزل غير مقدور، ويخصى امتناع ذلك على الاصطلاح الأصولي إذ الترك لذلك فعل مضاف لخلق العالم، وتقدير فعل الله تعالى في الأزل اهـ ومنه علم أنّ الترك فيه خلاف هل هو عدم صرف أم لا، فليكن هذا على ذكر منك، فإنه ينفعك في مواضع كثيرة. قوله :( ترتب التحلية على التخلية ) الترتب في كلام المصنفين التفرّع على الشيء، ووقوعه بعده مطلقا أو بحيث يكون الأوّل مقتضياً للثاني بسببية ونحوها، والذي في كتب اللغة رتب رتوباً إذا ثبت، ولم يتحرّك كترتب، فهذا مجاز يظهر وجه التجوّز فيه بالتأمّل، والتحلية الأولى بالحاء المهملة بمعنى التزين من الحلي، والثانية بخاء معجمة من الخلوّ والتفريغ هذا هو الصحيح رواية ودراية، لأنّ ما أريد تزييته، بنقش ونحوه ينظف ويفرغ، ثم يزين وما في بعض الحواشي من أنّ هذه تجلية بالجيم، وأنّ التجلية بالجيم داخلة في التخلية بالمعجمة، لأنه تنظيف الصدإ وما ضاهاه وفسرها بتصفية الباطن عن الكدورات ورذائل الأخلاق، والتوجه إليه تعالى فمن صقل باطنه تحلى بالصور الحقة الفائضة من المبدأ الفياض، وهو بالخاء المعجمة المرتبة الأولى، وهي تهذيب الظاهر عما لا ينبغي، والتصوير والتصقيل إشارة إلى مرتبة التجلية بالجيم، فتجتمع المراتب الثلاث اهـ تعسف نشأ من لفظ التصقيل لاتحاد الصفاء، والجلاء وإنما أراد المصنف تالتخلية ترك ما لا ينبغي، وبالتحلية فعل ما ينبغي، وهو معنى قول الإماء كمال السعادة لا يحصك إلا لترك ما لا ينبغي، وفعل ما ينبغي، فالترك هو التقوى، والفعل إمّا فعل القلب، وهو الإيمان أو فعل الجوارح، وهو الصلاة والزكاة، وقدم التقوى لأنّ القلب كاللوح ألقابل لنقوش العقائد الحقة، والأخلاق الفاضلة، واللوح يجب تطهيره أوّلا عن النقوش الفاسدة نتمكن إثبات النقوش الفاضلة، فلهذا قدم ترك ما لا ينبغي على فعل ما ينبغي اهـ فالتصوير والتصقيل بيان للتحلية،
والتخلية إلا أنا لم نر التفعيل من الصقل في كتب اللغة، ولا في كلام من يوثق به، وقد يقال : إنه للازدواج والمشاكلة، وقيل نقل لباب التفعيل ليفيد المبالغة. قوله :( أو موضحة إلخ ) يجوز فيه تخفيف الضاد وتشديدها على أنه من الأفعال أو التفعيل، وهو مرفوع معطوف على قوله مقيدة، والضمير المستتر ثمة في إن فسر للتقوى وذكره نظرا للفظ أو الاتقاء وهذا هو المرتبة الثانية من المراتب الشرعية وفي الكشاف يحتمل أن ترد على طريق البيان والكشف، وهو مراد المصنف أيضاً إذ الموضح يطلق على مقابلة المخصمى، ولا يلزم فيه المساواة وعلى الكاشف الذي هو كالتعريف ولا بدّ فيه من المساواة تصريحاً أو تلويحا، وهو المراد هنا، كما في شروح الكشاف، فمن قال لا حاجة في كونه موضحاً إلى جعل الإيمان والصلاة والصدقة مشتملة على جميع العبادات، لأنه يكون أعم، والوصف بالأعم كالوصف بالمساوي يفيد التوضيح كزيد التاجر فقد غفل عن الفرق بين الاصطلاح واللغة، وفي شرح المفتاح الشريفي إن حمل المتقي على معناه الشرعي أعني الذي يفعل الواجبات بأسرها، وترك السيئات برمتها، فإن كان المخاطب جاهلاَ بذلك المعنى كان الوصف كاشفاً وان كان عالماً كان مادحاً وان حمل على ما يقرب من معناه اللغوي كان مخصصاً. قوله :( لاشتماله على ما هو أصل الأعمال ) ضمير اشتماله للوصف، وهذا جواب عن سؤال تقديره أنّ الصفة الموضحة كالتعريف فينبغي أن تستوفي الطاعات والاجتنابات كلها وتقريره ظاهر، وهذا معنى ما في الكشاف من قوله لاشتمالها على ما أسست عليه حال المتقين من فعل الحسنات وترك السيئات أمّا الفعل فقد انطوى تحت ذكر الإيمان الذي هو أساس الحسنات ومنصبها، وذكر الصلاة والصدقة لأنّ هاتين أمّا العبادات البدنية والمالية، وهما العيار على غيرهما إلا أنه قيل إنّ في الكشاف لطيفة خلا عنها كلام المصنف رحمه الله، وهي أنه جعل الإيمان أصل العبادة، وأساسها لتوقف صحتها عليه مع عدم انفكاكه عنها وجعل الصلاة والصدقة أمي العبادات البدنية، والمالية لا أساسها، فإنهما وان كانا أصلين لها لا يتوقف صحتها على صحتهما لعدم توقف الولد على الأم بقاء بخلاف الأساس، وهذه النكتة صاحب الكشاف أبو عذرتها وتبعه من بعده كالشريف في شرح المفتاح وغيره، وقيل : إنّ الإيمان بيان لأساس الحسنات، والصلاة والصدقة بيان للأصل بمعنى الأمّ على اللف والنشر غير المرتب، فهو مشتمل على تلك النكتة ولا