ج١ص٢١٠
فلا خلاف بين كلاميه وهو الحق ولذا قال المحقق في شرح المختصر : إنه في اللغة التصديق بالإجماع، وقال الراغب : الإيمان التصديق الذي معه أمن، وإذا كان مجازا فالمناسبة بينه وبين المعنى الأصليّ مراعاة وكذا إذا كان منقولاً، ولذا قال المصنف رحمه الله مأخوذ من الأمن. قوله :( كأنّ المصدّق ) بكسر الدال أمن المصدق بفتحها، وأتى بكأنّ إشارة إلى أنه قطع فيه النظر عن معناه الأصليّ فلا يخطر ببال من يستعمله إلا نادرا، وهذا دأبهم فيما لا يظهر فيه مراعاة المعنى الأصلي، ولخفائه هنا أنكره بعضهم ولا وجه له وبهذا التقرير سقط ما قيل : هنا من أنه إن أريد به الأمن من تكذيب المصدّق فهو محقق فلا وجه لقوله : كأنّ وان أريد الأمن من تكذيب غيره فهو غير صحيح، وقد يقال ة الأمن في الحال لا يستلزم الأمن في الاستقبال، فيجوز أن يكون ذكر كأنّ باعتباره أو إشارة إلى أنّ الظن في مثله كاف. وقوله :) وقد يجيء بمعنى الوثوق ) وفي نسخة " وقد يطلق ) وهما بمعنى وهذا أيضاً مأخوذ من المعنى الأوّل. وقوله بمعنى الباء صلة أو
بمعنى في وقيل إنّ الجار والمجرور حال لأنّ الإطلاق لا يتعدى بالباء، وهذا المعنى محتمل لأن يكون مجازاً أو حقيقة، وقد ذهب إلى كل منهما بعض الشراح والظاهر الثاني وقوله ما أمنث أن أجد صحابة حكاه أبو زيد عن العرب، وأنه يقوله ناوي السفر إذأ عوّقه عنه عدئم الرفيق أي ما وثقت أن أظفر بمن أرافقه فأمنت فيه بالمدّ لازم أو متعدّ لواحد، وأن أجد منصوب محلاً والظاهر أنه على نزع الخافض أي بأن أجد، فإنّ حذفه فيه مطرد وهذا هو الصحيح وصحابة بفتح الصاد ويجوز كسرها في الأصل مصدر يقال صحبه صحابة وصحبة ثم جعل جمع صاحب، أو اسم جمع له على الأصح وهو المراد هنا. قوله :( من التكذيب والمخالفة ) تبع فيه الزمخشريّ وقال السكوتي في كتاب التمييز الذي بين فيه ما في الكشاف من الدسائس الاعتزالية إنّ قوله المخالفة المراد به مخالفة الشرع بالكفر، وارتكاب الكبائر فإنّ مرتكبها عندهم غير مؤمن مخلد في النار وان لم يطلقوا عليه أنه كافر، ولك أن تقول إنه عطف تفسيري والمراد به مخالفة خاصة بالكفر، فلا يرد عليه ما ذكر، ولو تركه كان أولى. قوله :( وتعديته بالباء إلخ ا لما ذكر أنه بمعنى التصديق، وهو متعدّ بنفسه وجه تعديته بالباء بما ذكر، وتضمنه يكون بمعنى يدل عليه ضمنا وبمعنى التضمين المصطلح عليه، وكلامه محتمل لهما إلا أنهم اقتصروا على الثاني هنا لتبادره، والتضمين المصطلح كما قال السيد السند أن يقصد بلفظ فعل معناه الحقيقيّ، ويلاحظ معه معنى فعل آخريناسبه ويدل عليه بذكر صلته كأحمد إليك فلاناً أي أنهى حمده إليك، وفائدة التضمين إعطاء مجموع المعنيين فالفعلان مقصودان معاً قصداً وتبعاً قال المصنف رحمه الله : من شأنهم أن يضمنوا الفعل معنى فعل آخر فيجرونه مجراه فيقولون هيجني شوقا معدّى إلى مفعولين، وان كان معدى بإلى لتضمنه معنى ذكر المشدّد واختلفوا فيه فذهب بعضهم إلى أنّ المضمن مراد بلفظ محذوف يدل عليه ذكر متعلقه، فتارة يجعل المذكور أصلاً في الكلام، والمحذوف قيدا فيه على أنه حال كقوله :﴿ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ ﴾ [ البقرة : ١٨٥ ] أي حامدين وتارة يعكس فيجعل المحذوف أصلاً، والمذكور مفعولاً كما مرّ في أنهي حمده، أو حالاً كما في ﴿ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ﴾ أي يعترفون مؤمنين به، ولما كانت مناسبته للمذكور بمعونة ذكر صلته قرينة على اعتباره جعل كأنه في ضمنه، ومن ثمة كان جعله حالاً وتبعا للمذكور أولى من عكسه، وما توهم من أنّ ذكر صلة المتروك يدل على أنه المقصود أصالة مدفوع بأنّ ذكرها إنما يدل على كونه مرادا في الجملة إذ لولاه لم يكن مراداً أصلاً، وذهب آخرون إلى أنّ كلا المعنيين مراد بلفظ واحد على طريق الكناية إذ يراد بها معناها الأصلي ليتوسل بفهمه إلى ما هو المقصود الحقيقيّ، فلا حاجة للتقدير إلا لتصوير المعنى، وفيه أنّ المعنى المكنى به قد لا يقصد ثبوته وفي التضمين يجب القصد إليهما والأظهر أنّ اللفظ مستعمل في معناه الأصلي قصداً وأصالة لكن قصد بتبعيته معنى آخر يناسبه من غير أن يستعمل فيه اللفظ، أو يقدر له لفظ آخر فلا يكون إضمارا ولا كناية بل
حقيقة قصد بمعناها الحقيقيّ معنى آخر يناسبه، ويتبعه في الإرادة وحينئذ يكون معنى التضمين واضحاً بلا تكلف إلى هنا ما أفاده قدس سرّه.
( وفيه بحث حا وجوه ) :
( الأؤل )